البحث
الأَمْنُ الفِكْرِيُّ
" الأَمْنُ الفِكْرِيُّ (2) "
ومنْ حمايةِ المدينةِ الفكريةِ والعقديةِ أنَّ اللهَ جلَّ وَعَلا حَمَاهَا منْ فتنةِ الفتانِ وهوَ الدجَّالُ الذي لا يتركُ مدينةً ولا قريةً في الدنيا إلا دخلَهَا وفتنَ منْ فَتنَ منْ أهلِهَا غير مكة والمدينة.
ففي البخاريِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«لا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ»
وروى البخاري أيضا عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ»
ولما تحقَقَ هذا الأمنُ نبغَ في المدينةِ علماءُ كبارٌ فاقُوا غيَرُهم في الأمصارِ أمثالُ: سعيدِ بنِ المسيبِ، ونافعٍ مولى ابنِ عمرَ، وسالمٍ بنِ عبدِ اللهِ، والقاسمِ بنِ محمدٍ، وربيعةَ الرأيِ، والإمامِ مالكٍ وغيرهم كثير جداً، بلْ نبغتْ أسرٌ كاملةٌ في العلمِ والعملِ مثلُ:
آلِ المنكدرِ محمدٍ وعمرَ، وآلُ عقبةَ: إبراهيمَ وموسى ومحمدٍ كُلُّهُمْ فقهاءُ محدِّثونَ، وآلِ عبدِ اللهِ بنِ أبي فروةَ: إسحاقَ وعبدِ الحكيمِ وعبدِ الأعلى ويونسَ وصالحٍ بنِ عبدِ الله، وأبي الحسنِ، وإبراهيمَ، وعبدِ الغفارِ، وأصبحتْ المدينةُ كعبةَ العلومِ في القرونِ الثلاثةِ المفضلةِ، يَؤُمُهَا الناسُ منْ كلِ حَدَبٍ وصَوبٍ، ينهلونَ منْ علومِهِا، ويَسْتَفْتُونُ علماءَهَا.
ولهذا لمْ يكنْ في المدينةِ النبويةِ بدعةٌ ظاهرةٌ البتةَ في القرونِ الثلاثةِ المفضلةِ، ولا خرجَ منها بدعةٌ في أصولِ الدينِ كَمَا خرجَ منْ سائرِ الأمصارِ الإسلاميةِ، وكانَ ظهورُ البدعِ بحسبِ البعدِ عنْ الدارِ النبويةِ على ساكِنِهَا أفضلُ الصلاةِ والسلامِ.
حتى أصبحَ عملُ أهلِ المدينةِ معتبراً عندَ كثيرٍ منْ الفقهاءِ والعلماءِ، فيقولونَ في المسائلِ مثلاً:
وعلى هذا عملُ أهلِ المدينةِ، لالتزامِهِم بالهديِ النبويِّ وبعدِهِم عنْ البدعِ والشبهاتِ.
وعاشَ أهلُ المدينةِ في الصدرِ الأولِ على المحجةِ البيضاءِ والعقيدةِ الصحيحةِ التي جاءَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقرَّرها صحابتُه الكرامِ، فلا مكانَ بينهمْ لمبتدعٍ ولا منحرفٍ ولا زائعٍ، وكانَ أهلُ المدينةِ للبدعِ الاعتقاديةِ والانحرافِ السلوكيِ بالمرصادِ، وإنْ وصلتْ فتبقَى هذهِ البدعُ والانحرافاتُ متذبذبةً لا مستقرَ لها ولا مأَمَنَ معَ وجودِ العلماءِ العاملينَ وأهلِ المدينةِ الواعينِ يحذرونَ منها ويطردُونَ أصحابَها.