1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. ماذا بعد شهر رمضان؟

ماذا بعد شهر رمضان؟

تحت قسم : مقالات و خواطر
3214 2012/08/15 2024/11/14


الحمد لله الذي خضعت لعزته الرقاب، وأشرقت لنور وجهه الظلمات، وصلح على شرعه أمر الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن المسلم العاقل الذي استثمر وقته وماله في طاعة الله في شهر رمضان، يجب أن يسأل نفسه سؤالًا هامًّا ماذا بعد شهر رمضان؟

اعلم أخي الحبيب، أن الله تعالى جعل أبواب الحسنات سهلة وميسرة طوال العام، فالسعيد من سارع إليها لينهل منها ما شاء من الحسنات، من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام ببعض أبواب الخير بعد رمضان، فأقول وبالله التوفيق:

-المحافظة على صلاة الفرائض في جماعة في المسجد:
إن المسلم الذي اعتاد الذهاب إلى المساجد في رمضان، يجب عليه أن يحافظ على هذه الفريضة المباركة، وليعلم أنها باب عظيم من أبواب الحسنات، وأن صلاة الجماعة في المساجد واجبة على كل مسلم ذكر، بالغ، عاقل، قادرعلى الذهاب إلى المسجد ولو بمساعدة الآخرين.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» (رواه البخاري).
وتذكر أخي الكريم أن خطواتك إلى المسجد لأداء الصلوات المفروضة حسنات لك يوم القيامة، فاحرص على إقامتها في مسجد تقام فيه السنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة» (رواه مسلم).

المواظبة على قيام الليل:
الصلاة صلة بين العبد وربه، فإذا كان المسلم قد اعتاد صلاة التراويح وأحيا العشر الأواخر من رمضان، كان من السهل عليه أن يحافظ على صلاة الليل بعد رمضان، ففي الليل يخلو المسلم بربه سبحانه وتعالى، فيستغفره ويطلب من الله ما أراد من حوائج الدنيا والآخرة، فإذا كنت أخي الكريم لا تستطيع أن تقوم في آخر الليل، فاجعل لنفسك ركعات قبل أن تنام، واعلم أن قيام الليل هو دأب الصالحين المخلصين لله تعالى، قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16]، وقال سبحانه: {إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:15-19].
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا فلما كثر لحمه صلى جالسًا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع» (رواه البخاري ومسلم).
وقال: أيها الناس: «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (صحيح الترمذي).

الإكثار من الدعاء في السراء والضراء:
إن المسلم الذي اعتاد الدعاء عند الإفطار وفي أيام وليالي شهر رمضان، ينبغي أن يواظب على الدعاء في باقي أيام العام، وليعلم العبد المسلم أن الله تعالى لا يرد دعوة عباده المخلصين في السراء والضراء، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وقال جل شأنه: {أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرََ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62]، وقال سبحانه أيضًا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي قال: «الدعاء هو العبادة» (صحيح أبي داود)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» (رواه مسلم).

تلاوة القرآن وحفظه:
أيها الحبيب يا من اعتدت تلاوة القرآن وحفظ بعض منه في رمضان، حافظ على هذا العمل في باقي العام، اجعل لنفسك نصيبًا من القرآن تتلوه كل يوم، وحاول أن تحفظ من القرآن ما تستطيع قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29-30].
وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» (رواه مسلم)،
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (صحيح الترمذي).

التوبة والاستغفار وذكر الله تعالى:
إن المسلم الذي أقبل على التوبة النصوح والاستغفار والإكثار من ذكر الله تعالى في أيام وليالي رمضان يجب أن يستمر على ذلك باقي العام، فإن ذكر الله تعالى خفيف على اللسان، ثقيل في ميزان حسنات العبد يوم القيامة، وهو سبب عظيم لسعة الأرزاق وراحة القلوب وزوال الهموم والأحزان عن العبد، وليحذر المسلم أن يكون غافلًا عن ذكر الله تعالى، قال الله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ} [الأعراف:205]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41-42]، وقال جل شأنه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد:28].
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة» (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي: « يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» (رواه البخاري ومسلم).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «كنا عند رسول الله فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة» (رواه مسلم).

الانقياد لحكم الله تعالى ورسوله:
إن المسلم الذي اعتاد أن ينقاد لشرع الله تعالى في رمضان بامتناعه عن المباح من الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، من السهل عليه أن ينقاد لأوامر الله تعالى ورسوله في باقي أمور حياته، فإن في ذلك سعادته في الدنيا والآخرة، وليحذر كل مسلم من مخالفة كتاب الله وسنة رسوله، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36]، وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الحشر:7].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا يا رسول الله: ومَن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» (رواه البخاري).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: «مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (رواه البخاري ومسلم).

وتذكر أخي الكريم أن لقبول الأعمال الصالحة عند الله تعالى شرطين:
الأول: إخلاص العمل لله تعالى وحده.
والثاني: متابعة النبي عند القيام بهذا العمل.
فإذا فُقد أحد هذين الشرطين، فإن هذا العمل لا يقبله الله تعالى.

صيام النوافل:
اعلم أخي الحبيب أنك مطالب بالمداومة على طاعة اهلل تعالى، والاستمرار في الحرص على تزكية نفسك، ومن أجل هذه التزكية شرع الله تعالى لك العبادات، وبقدر حرصك على هذه الطاعات، تكون تزكيتك لنفسك، وبقدر تفريطك في الطاعات يكون بعدك عن هذه التزكية، ولذا فإن أهل الطاعات الخالصة لوجه الله تعالى هم أرق الناس قلوبًا، وأكثرهم صلاحًا، وأما أهل الذنوب والمعاصي، فهم أغلظ الناس قلوبًا، وأشدهم فسادًا.
والصوم من تلك العبادات التي تطهر قلوب الناس من أمراضها، ولذا فإن شهر رمضان موسم لطهارة القلوب، وتلك فائدة عظيمة يجنيها الصائم ليخرج من رمضان بقلب جديد مملوء بالإيمان والحرص على الطاعات وصيام الأيام الست من شوال، فرمضان فرصة عظيمة حيث يقف المسلم على باب طاعة أخرى تقربه إلى الله تعالى.

فضل صوم الأيام الست من شوال:
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» (رواه مسلم).
قال النووي رحمه الله تعليقا على هذا الحديث: "قال العلماء وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين" (وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي مسلم بشرح النووي).

صفة الأيام الست من شوال:
قال الإمام النووي: قال أصحابنا: "والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستًا من شوال" (رواه مسلم بشرح النووي).

فوائد الصوم بعد رمضان:
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: في معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة، منها:
"أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
أن صيام شعبان وشوال كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل من الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.
أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبدٍ وفقه لعمل صالح بعده.
أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرًا لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من نعمة مغفرة الذنوب.
أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًّا، وكثير من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان، لاستثقال الصيام، ومَلله وطوله عليه، ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعًا، فالعائد إلى الصيام بعد الفطر يدل عوده على رغبته في الصيام وأنه لم يمله، ولم يستثقله" (لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي).


إن الصوم من أفضل سبل الحسنات، وله فوائد كثيرة، ولذا ينبغي للمسلم أن يجعل لنفسه أيامًا يصومها بعد رمضان؛ ومنها الست من شوال، والاثنين والخميس من كل أسبوع، والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي، والتاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وكذا صوم يوم عاشوراء، وأكثر شهر شعبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به» (رواه البخاري ومسلم).
وعن سهل رضي الله عنه عن النبي قال: « إن في الجنة بابًا يُقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» (رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: «أن رسول الله سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: يُكفر السنة الماضية والباقية، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: يكفر السنة الماضية» (رواه مسلم).

الإنفاق في وجوه الخير ومساعدة الفقراء:
إن المسلم الذي اعتاد الإنفاق في وجوه الخير في رمضان، لا بد أن يواصل هذا العمل الجليل بعد رمضان، فيبذل جزءًا من ماله -قدر استطاعته- في رعاية الفقراء والمحتاجين حتى تنتشر الألفة والرحمة بين الأغنياء والفقراء، وليعلم المسلم أن الله تعالى سوف يُخلف عليه هذا المال المبذول في صحته وأولاده وأمواله، {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]، وقال سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «قال الله: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك» (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار» (رواه البخاري).
عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: «ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر» (صحيح الترمذي).

الصدق وحفظ اللسان والجوارح عن محارم الله تعالى:
إن المسلم الذي اعتاد الصدق في رمضان، وصان لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة وعدم سماع الأغاني الماجنة المحرمة، يجب عليه أن يحمد الله على هذه النعمة العظيمة، ويحافظ عليها باقي العام، ويجب عليه أيضًا الحذر من العودة إلى هذه المعاصي، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» (رواه البخاري ومسلم).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:12].
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «لا يدخل الجنة نمام» (رواه مسلم).

صلة الأرحام:
إذا كانت الأرحام موصولة في شهر رمضان، فيجب على المسلم أن يواظب على الأرحام باقي العام، وليعلم أن الله قد وصانا بالأرحام خيرًا، وهي سبب من أسباب سعة الأرزاق، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «من أحبَّ أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فَلْيَصِلْ رحمه» (رواه البخاري ومسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» (رواه البخاري ومسلم).

احذر أن تكون رمضانيًا فقط:
إن المتأمل لأحوال الناس في العبادة يجد أن الكثير منهم يجتهدون في العبادة، فإذا انقضى رمضان عادوا إلى حياتهم العادية من اللهو والتهاون والتقصير في جميع العبادات كأن رب رمضان ليس هو رب سائر الشهور! فنرى كثيرًا من الناس يهجرون الصلاة في المساجد، ويبخلون بالصدقات، ولا يصومون شيئًا من النوافل، ويبتعدون عن محاسن الأخلاق، قيل لبشر الحافي إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: "بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها" (لطائف المعارف لابن رجب).
وقد حذرنا الله تعالى أن نكون من الذين يجتهدون في العبادة في وقت من الأوقات ثم يتركون ذلك، حيث قال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل:92].
قال ابن كثير: قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: "هذا مثل لمن نقض عهدًا بعد توكيده" (تفسير ابن كثير).
عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: كان رسول الله يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الحوَر بعد الكوَر» (صحيح ابن ماجه).
قال ابن الأثير قوله: «اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور» أي: نعوذ بالله من النقصان بعد الزيادة، وقيل من فساد أمورنا بعد صلاحها، وقيل من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا منهم، وأصله من نقض العمامة بعد لفها (النهاية لابن الأثير).

حقًا هناك ضعف في المسلم لا يستطيع أن يتخلص منه، وليس مطلوبًا منه أن يتجاوز حدوده البشرية، ولكن يجب عليه أن يتمسك بثوابت العبادات التي لا تتغير بعد رمضان كالصلاة المفروضة والزكاة المفروضة والصدقة والدعاء، فضلاً عن التوبة المطلوبة في كل وقت.

نسأل الله تعالى الثبات على الطاعات حتى نلقاه، ونعوذ به سبحانه من تقلب القلوب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day