البحث
كيف تعظم الأشهر الحرم
إنّ مما خصَّ الله سبحانه بمزيد فضل من بين الشهور؛ الأشهر الحُرُم، والتي ذكرها الله تعالى في كتابه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36] .
ومن حرمة هذه الأشهر أن الأعمال فيها مضاعفة الجزاء، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، لذلك أكّد النهيَ عن الظلم فيها؛ فقال: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، والظلم هنا يشمل المعاصي كلها؛ كبيرها وصغيرها، بترك الواجبات وفعل المحرمات، مما يتعلق بحقوق الخالق والمخلوق.
والظلم والمعاصي محرمة في سائر الشهور والأيام، ولكن خصَّ هذه الأربعة بزيادة التحريم وتأكيده، وتشديدًا للنهي عما وقعت فيه الكفار من انتهاك حرمتها، لأجل ذلك كانت مضاعفة الجزاء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد: تحفَّظوا على أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف"[الواحدي؛ الوسيط في تفسير القرآن المجيد:2/ 494].
ألا فليحذر المسلم مِن أن يجد نفسه قد حمل من الآثام في أشهر قلائل، ما قد يحمله عتاة العصاة في سنوات! لأجل هذه المضاعفة، كما ينبغي له أن يغتنم هذه الفرصة العظيمة والمنة الكريمة؛ فيجتهد فيها في الطاعة، ويكثر فيها من عظائم الأمور، وليتخيَّر منها أعظمها أجرًا وليملأ بها وقته ويُفرغ فيه جهدَه، فلعله يفوز بأجور السنين أو القرون في قليل من الأشهر. وكل طاعة تضاعَف، وكل مظلمة تُضاعف...
مع التنبيه على أن هذه المضاعفة عامة في كل بقاع الأرض، وليست فقط للمُحرمين بالحج أو العمرة، أو ممن كانوا في محيط الحرم، فإن للحرم ذاته حرمة أيضًا، فإذا صادف المسلم اجتماعَُ حُرمتَي الزمان والمكان فقد عظُم أجرُ طاعته وإثمُ مظلمته؛ أضعافًا مضاعفة.