قال حميد بن هلال: أتى عقيل عليا فقال: يا أمير المؤمنين إني محتاج وإني فقير فأعطني قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم فألح عليه فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دق هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت
قال: يريد علي أن يتخذني سارقا فرجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين: أردت أن تتخذني سارق! قال: أنت والله أردت أن تتخذني سارقا أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم قال: لآتين معاوية قال ؛ أنت وذاك فأتى معاوية فسأله فأعطاه مئة ألف ثم قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك علي من نفسه وما أوليتك من نفسي
قال: فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت عليا على دينه فاختار دينه وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق وأنها أعقل منه! وقيل: إن عقيلا لما أتى معاوية قال له: كيف أنت أبا يزيد؟ كيف تركت عليا وأصحابه؟ قال: كأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلا أني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وكأنك وأصحابك أبو سفيان يوم أحد إلا أني لم أر أبا سفيان معكم فكره معاوية أن يراجعه فيأتي بأشد مما جاء به
فلما كان الغد قعد معاوية على سريره وأمر بكرسي يوضع إلى جنب السرير ثم أذن للناس فدخلوا وأجلس الضحاك بن قيس معه ثم أذن لعقيل فدخل عليه فقال: يا معاوية من هذا معك؟ قال: هذا الضحاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة وتمم النقيصة هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بالأبطح لقد كان بخصائها رفيق. فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش وإن عقيلا لعالم بمساوئه. ثم قال: ومن هذا الشيخ؟ فقال: أبو موسى الأشعري قال: ابن المراقة لقد كانت أمه طيبة المرق فقال له معاوية: أبا يزيد: على رسلك فقد علمنا مقصدك ومرادك. فأمر له بخمسين ألف درهم وقال له: كيف رأيتني من أخيك؟ قال: أخي خير لنفسه منك وأنت خير لي منك لنفسك فأخذها ورجع إلى أخيه فقال: اخترت الدنيا على الآخرة.
وقيل: إن عقيلا لما أتى عليا ومنعه قال له: أكتب لك إلى مالي بالينبع فتعطى؟ فقال عقيل: لأذهبن إلى رجل يعطيني. فأتى معاوية فقال: مرحبا بأبي يزيد هذا أخو علي وعمه أبو لهب. فقال له عقيل: هذا معاوية وعمته حمالة الحطب...
و أخرج ابن عساكر [ عن المقدام قال: استب عقيل بن أبي طالب و أبو بكر قال: و كان أبو بكر نسابا غير أنه تحرج من قرابته من النبي صلى الله عليه و سلم فأعرض عنه و شكا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس فقال: ألا تدعون لي صاحبي؟ ما شأنكم و شأنه؟ فو الله ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور فو الله لقد قلتم: كذبت و قال أبو بكر: صدقت و أمسكتم الأموال و جاد لي بماله و خذلتموني وواساني و اتبعني
شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه وعبد الله وقثم ابنا العباس ومحمد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب. والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب
بعض المواقف من حياته مع التابعين:
كان عالماً بالأنساب، ومن أنسب قريش وأعلمهم بأيامها، وكانت له سجادة تطرح له في المسجد النبوي يصلي عليها، ثم يجتمع إليه الناس يسألونه في علم النسب وأيام العرب، وكان أسرع الناس جواباً، وأحضرهم مراجعة في القول، وأبلغهم في ذلك، وكان مبغّضاً في قريش لأنه يعد مساويهم، فقالوا فيه بالباطل، واختلقوا عليه أحاديث مزوّرة، وكان مما أعانهم على ذلك مغاضبته لأخيه الإمام علي وخروجه إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام، ويروى أن معاوية قال يوماً في حضرته: هذا لولا علمه بأني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي وأسأل الله تعالى خاتمة الخير.
أثره في الآخرين:
أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب قال محمد بن عمر إنما هو مولى أم هانئ بنت أبي طالب ولكنه كان يلزم عقيلا فنسب إلى ولايته وكان شيخا قديما قد روى عن عثمان بن عفان وأبي هريرة وأبي واقد الليثي وكان ثقة قليل الحديث
روى عنه: ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد وموسى بن طلحة والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وأبو صالح السمان.
ورد له ذكر في كتب الحديث مثل كتب البخاري والنسائي وابن ماجه، حيث روى عدة أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالو: يا أبا طالب إن ابن أخيك يأتينا في أفنيتنا وفي نادينا فيسمعنا ما يؤذينا به فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل. فقال لي: يا عقيل التمس لي ابن عمك فأخرجته من كبس - بيت صغير - من أكباس أبي طالب فأقبل يمشي معي يطلب الفيء يمشي فيه فلا يقدر عليه حتى انتهى إلى أبي طالب فقال له أبو طالب: يا ابن أخي والله ما علمت إن كنت لي لمطاعا وقد جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم فإن رأيت أن تكف عنهم. فحلق ببصره إلى السماء فقال: صلى الله عليه وسلم: والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار
فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط ارجعوا راشدين
وعن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه تزوج فقيل له بالرفاء والبنين قال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الخير والبركة بارك الله لك وبارك عليك.
عن عقيل بن مسلم عن عقيل بن أبي طالب أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لعمر بن الخطاب إن غضبك عز ورضاك حكم.
عن عقيل بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا في الوضوء بالمد والطهور بالصاع..
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه فقرأ من سورة إبراهيم { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } إلى آخر السورة فرق القوم واخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه.
ومن مسند عقيل بن أبي طالب عن أبي إسحاق السبيعي عن الشعبي وعن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر عن عقيل بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن الزهري أن العباس ابن عبد المطلب مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم النقباء ويكلمونه فعرف صوت صلى الله عليه وسلم فنزل وعقل راحلته ثم قال: لهم يا معشر الأوس والخزرج هذا ابن أخي وهو أحب الناس إلي فإن كنتم صدقتموه وآمنتم به وأردتم إخراجه معكم فإني أريد أن آخذ عليكم موثقا تطمئن به نفسي ولا تخذلوه ولا تغروه فإن جيرانكم اليهود وهم لكم (في المنتخب - له) عدو ولا آمن مكرهم عليه فقال: أسعد بن زرارة وشق عليه قول العباس حين اتهم عليه أسعد وأصحابه يا رسول الله ايذن لي ( كذا وفي المنتخب لن. ) فلنجبه غير مخشنين (اخشن صدره تخشين: أوغره أي أهماه من الغيظ - انتهى. مختار.) لصدرك ولا متعرضين لشيء مما تكره إلا تصديقا لإجابتنا إياك وإيمانا بك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه غير متهمين فقال أسعد بن زرارة وأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لكل دعوة سبيلا إن لين وإن شدة وقد دعوتنا اليوم إلى دعوة متجهمة (ن - متهجمة.) للناس متوعرة عليهم دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك إلى دينك وتلك مرتبة (ن - رتبة) صعبة فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام والقريب والبعيد وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا ونحن جماعة في عز ( في المنتخب دار عز. ) ومنعة لا يطمع فينا أحد أن يرأس علينا رجل من غيرنا قد أفرده قومه وأسلمه أعمامه وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك وكل هؤلاء الرتب مكروهة عند الناس إلا من عزم الله على رشده والتمس الخير في عواقبها وقد أجبناك إلى ذلك بألسنتنا وصدورنا إيمانا بما جئت به وتصديقا بمعرفة ثبتت في قلوبنا نبايعك على ذلك ونبايع الله ربنا وربك يد الله فوق أيدينا ودماؤنا دون دمك وأيدينا دون يدك نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا فإن نف بذلك فبالله نفي ونحن به أسعد وإن نغدر فبالله نغدر ونحن به أشقى هذا الصدق منا يا رسول الله والله المستعان ثم أقبل على العباس بن عبد المطلب بوجهه وأما أنت أيها المعترض لنا القول دون النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم بما أردت بذلك ذكرت أنه ابن أخيك وأنه أحب الناس إليك فنحن قد قطعنا القريب والبعيد وذا الرحم ونشهد أنه رسول الله أرسله من عنده ليس بكذاب وإن ما جاء به لا يشبه كلام البشر وأما ما ذكرت أنك لا تطمئن إلينا في أمره حتى تأخذ مواثيقنا فهذه خصلة لا نردها على أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ ما شئت ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم وقالوا فذلك لك يا رسول الله(أبو نعيم )
موقف الوفاة:
ومات عقيل بن أبي طالب بعدما عمي في خلافة معاوية بن أبي سفيان وله عقب اليوم وله دار بالبقيع ربة يعني كثيرة الأهل والجماعة واسعة
حدثني إبراهيم بن موسى أنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن يار قال كنت عند عبد الله بن عمر بالمدينة فجاءه عباس بن سهل الأنصاري فقال إن عقيل بن أبي طالب وضع بباب المسجد فصلى عليه وابن الزبير حينئذ بمكة.
متى توفي؟
توفي عقيل في خلافة معاوية سنة 49 من الهجرة، ودفن في المدينة في بقيع الغرقد وقبره معروف رحمه الله ورضي عنه.
المراجع:
الطبقات - تاريخ الإسلام - الاستيعاب - مختصر تاريخ دمشق - تاريخ الخلفاء - الروض الأنف - فتح القدير - كنز العمال... |