ميز شخص بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الصفات والملامح، كيف لا وقد شهدت السيدة عائشة رضي الله عنها في أكثر من مناسبة بأنها شبيهة أبيها صلى الله عليه وسلم، الذي وصفه ربه فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) فكانت:
الأصدق لهجة:
ويروى في ذلك عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا ذُكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها. (18)
والأشد حياءً:
فإذا كان مربيها ومن أشبهته صلى الله عليه وسلم أشد حياءًا من العذراء في خدرها، فكيف نتوقع أن تكون هي رضي الله عنها؟؟ فلقد بلغ من شدة حيائها رضي الله عنها أنها كانت تخشى أن يصفها الثوب بعد وفاتها، وأنها استقبحت ذلك كثيرا حتى جعلت لها أسماء بنت عميس نعشا، وهو أول ما كان النعش آنذاك، ثم الأكثر من ذلك أنها رضي الله عنها أمرت أسماء أن تغسلها هي وزوجها فقط وأن لا تُدخل عليها أحدا، فكانت رضي الله عنها أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام.
فعن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجال، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعليّ ولا تدخلي علي أحدا. (19)
هذا إذا كان الحال بعد الوفاة.. فماذا كان إذن حال الحياة؟؟.. فياليت نساء اليوم يسمعن ويرين.. ليتهن يعشن وفاة فاطمة إن عز عيش حياتها.. ليتهن لم يتخذن اسمها ويتركن فعلها..
وترضى بأقل القليل.. وهي من هي:
فهي رضي الله عنها وإن كانت تعلم أنها ابنت سيد المرسلين وخاتم النبيين وسيد ولد آدم، إلا أنها لم تطمع في الحياة، ولم تطمح نفسها إلى الخيال بالعيش الراغد والحياة الهنيئة، بل إنها قد ضُرب بها المثل في زواجها اليسير المهر القليل المؤنة، فقد كان مهرها درع، وأساس متاعها ماهو إلا سرير مشروط، ووسادة من أدم حشوها ليف، وتور من أدم، وقربى، يقول علي رضي الله عنه: "لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش، كنا ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار، ومالي خادم غيرها". (20)
وبعد زواجها رضي الله عنها عاشت حياة بسيطة متواضعة، فهي تطحن وتعجن خبزها بيديها مع إدارة كافة شؤون بيتها الأخرى، إضافة إلى واجبات زوجها عليها كما تعلمتها في بيت أبيها صلى الله عليه وسلم، ثم هي وبعد أن أثر الرحى في يديها تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينها بخادم، فيكون رده عليها صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على ما هو خير من خادم؟ تسبحين ثلاثا وثلاثين وتحمدين ثلاثا وثلاثين وتكبرين أربعا وثلاثين حين تأخذين مضجعك". (21)
فضائلها:
لا يستغرب إذن على مثل هذه الشخصية العظيمة أن يورد في فضلها الكثير من الأحاديث والروايات التي تبرز مكانتها رضي الله عنها في هذه الأمة، وكان من هذا ما يلي:
1) أحب أهل رسول الله إليه:
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كنت في المسجد فأتاني العباس وعليّ فقالا لي: يا أسامة، استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته فقلت له: إن العباس وعليّ يستأذنان، قال: هل تدري ما حاجتهما؟ قلت: لا والله ما أدري، قال: لكني أدري ائذن لهما، فدخلا عليه فقالا: يا رسول الله، جئناك نسألك: أي أهلك أحب إليك؟
قال: أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد، فقالا: يا رسول الله، ليس نسألك عن فاطمة، قال: فأسامة بن زيد الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه. (22)
2) شجنة من رسول الله:
عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها. (23)
3) من خير نساء العالمين:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وآسية امرأة فرعون. (24)
وفي رواية أخرى عن أنس أيضا: حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون. (25)
4) وسيدة نساء أهل الجنة:
عن حذيفة قال: سألتني أمي: منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت لها: منذ كذا وكذا، قال: فنالت منى وسبتني، قال: فقلت لها: دعيني فإني آتى النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغرب ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انفتل فتبعته، فعرض له عارض فناجاه ثم ذهب، فاتبعته فسمع صوتي فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة، قال: مالك؟ فحدثته بالأمر فقال: غفر الله لك ولأمك ثم قال:
أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟ قال: قلت: بلى، قال: فهو ملَك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة، فاستأذن ربه أن يسلم عليّ ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنهم. (26)
وفي رواية أخرى:
عن بن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض خطوطا أربعة قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. (27)
5) تختص بمن ينادي يوم القيامة.. غضوا أبصاركم عنها:
فعن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم لتمر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمر وعليها ريطتان خضروان، قال أبو مسلم: قال لي أبو قلابة وكان معنا عبد الحميد أنه قال: حمراوان. (المستدرك، ج3، ص175، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحذفه الذهبي من التلخيص لضعفه.
من الأحاديث التي روتها:
وكان مما روته رضي الله عنها عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك. (28)
|
|
موقف الوفاة |
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قد مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس: ألا ترين إلى ما بلغت؟ أحمل على السرير ظاهرا؟ فقالت أسماء: ألا لعمري، ولكن أصنع لك نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة، قالت: فأرنيه، قال: فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواف، وجعلت على السرير نعشا، وهو أول ما كان النعش، فتبسمت فاطمة وما رأيتها متبسمة بعد أبيها إلا يومئذ، ثم حملناها ودفناها ليلا. (29)
وفي رواية أوضح بعض الشيء عن أم جعفر رضي الله عنها أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء؛ إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجال، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعليّ ولا تدخلي علي أحدا.
تقول: فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت: أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها، قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف، فغسلها عليّ وأسماء.
قال أبو عمر: فاطمة رضي الله عنها أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها، صنع ذلك بها أيضا. (30)
وفاتها:
ماتت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول أهله لحوقا به، وصلى عليها زوجها علي بن أبي طالب بعد أن غسلها هو وأسماء بنت عميس، وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا، وقد قيل إنه صلى عليها العباس بن عبد المطلب ودخل قبرها هو وعلي والفضل، ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنيه غيرها. (31)
وعن محمد بن عمر قال: توفيت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لثلاث ليال خلون من شهر رمضان وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها، وقد اختلف في وقت وفاتها: فروي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: توفيت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، وأما عائشة فإنها قالت فيما روي عنها: إنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وأما عبد الله بن الحارث فإنه قال فيما روى يزيد بن أبي زياد عنه قال: توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر، قال محمد بن عمر: وقد حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وحدثنا بن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة رضي الله عنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، قال محمد بن عمر: وهذا أثبت عندنا. (32)
وقد اختلف في سنها وقت وفاتها، فذكر الزبير بن بكار أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي فقال هشام لعبد الله ابن الحسن: يا أبا محمد، كم بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السن؟ فقال: ثلاثين سنة، فقال هشام بن الكلبي: كم بلغت من السن؟ فقال خمس وثلاثين سنة، فقال هشام لعبد الله بن الحسن: يا أبا محمد، أسمع الكلبي يقول ما تسمع وقد عني بهذا الشأن؟ فقال عبد الله بن الحسن: يا أمير المؤمنين، سلني عن أمي وسل الكلبي عن أمه. (33)
|
|
المراجع |
(1) (انظر: الطبقات الكبرى، ج8، ص19، أسد الغابة، ج1، ص1395).
(2) (المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 176، الاستيعاب، ج1، ص612).
(3) (أسد الغابة، ج1، ص1395، والاستيعاب، ج1، ص612 بتصرف).
(4) (أسد الغابة، ج1، ص1396).
(5) (الاستيعاب، ج1، ص612).
(6) (انظر: الطبقات الكبرى، ج8، ص23).
(7) (انظر: الاستيعاب، ج1، ص612).
(8) (صحيح ابن حبان، ج 14، ص 540).
(9) (صحيح البخاري، ج5، ص2329).
(10) (المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 170).
(11) (صحيح مسلم، ج 4، ص 1903).
(12) (صحيح مسلم ج 4 ص 1902).
(13) (صحيح مسلم ج 4 ص 1904).
(14) (صحيح ابن حبان، ج14، ص592).
(15) (مسند أبي يعلى، ج 12، ص 119).
(16) (صحيح البخاري ج 3 ص 1012).
(17) (المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 165).
(18) (المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 175).
(19) (الاستيعاب، ج1، ص614).
(20) (الزهد لهناد، جز2، ص387).
(21) (المعجم الأوسط، ج3، ص160).
(22) (المستدرك على الصحيحين، ج2، ص 452، صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
(23) (المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 168، تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح).
(24) (صحيح ابن حبان، ج15، ص 401).
(25) (صحيح ابن حبان، ج15، ص 464).
(26) (مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص391، تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح).
(27) (صحيح ابن حبان، ج15، ص 470).
(28) (مسند أبي يعلى، ج12، ص 121).
(29) (المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 177).
(30) (الاستيعاب، ج1، ص614).
(31) (الاستيعاب، ج1، ص 614 بتصرف).
(32) (المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 176).
(33) (الاستيعاب، ج1، ص 614). | | |