البحث
سُنَّة الوقف
تُعَدُّ سُنَّة الوقف من أروع الإضافات الحضارية التي أضافها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإنسانية، فقَبْل الإسلام لم يكن أحدٌ يعرف شيئًا عن هذا العمل الجليل، والذي يستمرُّ نفعه آمادًا طويلة، وأصله ما رواه البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا".
فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ.
فكانت سُنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر أن تُوقَف هذه الأرض لله عز وجل، فيظلُّ خراجها نافعًا للناس أبدًا، ولم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة في السيرة النبوية، بل تكرَّرت كثيرًا، ومنها ما كان من بني النجار حين أوقفوا جزءًا من أرضهم لبناء المسجد النبوي؛ فقد روى البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا".
قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ.
وفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه الشيء نفسه عندما اشترى بئر رومة ثم أوقفه لصالح كل المسلمين في المدينة، وذلك كما روى البخاري، قال: وَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ المُسْلِمِينَ". فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه.
وهكذا فإن هذه السُّنَّة لها تطبيقات كثيرة، فلْنجتهد في البحث عن مشروع ندعمه ليكون وقْفًا في سبيل الله، ولا مانع لو اشترك في ذلك عدَّة أفراد، أو قام به واحدٌ بمفرده، وهذه من السنن التي يستمرُّ أجرها بعد وفاة الإنسان، فما أجدرنا أن نحرص عليها!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].