البحث
سُنَّة التيسير
من أروع صفات الشريعة الإسلامية حرصها على تيسير حياةِ كلِّ مَنْ يتخذها منهجًا وطريقة؛ لأن التيسير إرادة ربانية؛ فقد قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ولقد نَفَى اللهُ في هذه الآية إرادة العسر، ولو اكتفى بتبيين إرادته لليسر دون نفي العسر لظنَّ ظانٌّ أن الله يُريد اليسر أحيانًا ويُريد العسر في أحيان أخرى؛ لهذا كانت السُّنَّة النبوية تحمل التيسير في كل أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا».
وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا».
وروى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».
وجدير بالذِّكْر أن التيسير لا يعني التفريط في الشريعة؛ بل يعني اختيار الأيسر والأسهل من الأمور المباحة والمشروعة؛ فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ ل، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ..».
فهذا يفتح لنا المجال لقبول الآراء الفقيهة المعتبَرة من كافَّة الفقهاء تيسيرًا على الناس، ويفتح لنا المجال كذلك لاستخدام الرخص التي شرعها الدِّين دون حرج، كما يُوَجِّهنا كذلك إلى السعي إلى التيسير على المعسرين في شتَّى المجالات؛ سواء في أمور الدِّين أو الدنيا؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «.. وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..».
فهذه هي السُّنَّة النبوية، وهذه هي روح الشريعة.