البحث
سُنَّة الإعراض عن الجاهلين
على الرغم من حرص المسلم على الحفاظ على أخلاقه حين يتعامل مع الناس؛ فإنه يقابل بعض مَنْ لا يكترثون بمسألة الأخلاق في التعامل! وهذا ولا شك يُفْرِز مواقف صعبة قد يحتار فيها المسلم؛ لأنه لا يستطيع أن يجاري هؤلاء في انفلاتهم، وهنا يأتي دور هذه السُّنَّة النبوية العظيمة، وهي سُنَّة الإعراض عن الجاهلين، والمقصود "بالجهل" هنا السفه، والجاهلون هم السفهاء الذين لا يُحَكِّمون العقل في جدالهم أو نقاشهم؛ ومِنْ ثَمَّ فلا سبيل إلى إنهاء الجدال بشكل متحضِّر، فتُصبح أفضل الطرق لحفظ الأخلاق هو الإعراض عنهم، وعدم الدخول في مهاترات لا ينبني عليها نتائج طيبة، وهذا أمر رباني؛ فقد قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، ولا يعني هذا مقاطعة الجاهلين، ولكن فقط الإعراض عن المناقشة التي جهلوا فيها على المسلم، وأقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته على هذا السلوك مع مَنْ تجاوز حدود الأخلاق المعروفة؛ فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ». ومع إن هذا السلوك قد لا يشفي غليل المرء حين يتعدَّى عليه أحدٌ؛ فإن هذا في النهاية أفضل في التعامل مع هذه النوعية من الناس، وفضلًا عن ذلك فإن الله عز وجل يُعَوِّض المسلم -كما في الحديث- قوةً وتأييدًا منه سبحانه، ولو طَبَّقَ المسلمون هذه السُّنَّة فإنهم سيُوَفِّرون على أنفسهم صراعات كثيرة، وخسائر جمَّة، هم في غِنىً عنها.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].