{لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَة} [يوسف:67].
من هذه نَستَلُّ معنًى لطيفًا رائقًا..!
ألَّا ندخل على الله، وعباداتِه، وطاعاته .. من بابٍ واحدٍ فقط!
فالطاعات والعبادات والقُرُبات، المُوصِلة إلى رضا اللهِ، ونعيم الجنّات؛ أبوابٌ لا باب .. ومن هاهنا كانت وصيّةُ الله لعباده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} [البقرة:208] أي في شرائِع الإسلام كلِّها!
فالسعيد حقًّا.. مَن أوقفَه الله على ما فتحَ له من الخيرات، يَلج منها إلى نعيم الجنّات!
** فقد يفتح الله لرجل، في بِرّه بوالدَيه وإحسانه إليهما .. فلو أنه فطِن إلى ما أوقفه الله عليه، وبذَل في سبيل ذلك ما يَملِك؛ لكان خيرًا له من كثيرٍ من نَفلِه وقُرُباته !
** وقد يفتح الله على آخر، في قضاء حوائج المسلمين .. ما يَجِد فيه من لذّة وسرور وهِمّة؛ ما لا يَجده في درس علم، أو قراءة كتاب !
** وقد يَفتح اللهُ لزوجةٍ في بيتها، ورعايتها لأولادها، وحُسن تبعُّلها لزوجها، ما لا يَفتح لها في علمٍ ولا غيره، ويكون ذلك أنفع لها !
** وقد يفتح الله لفلان، في حياته داخل بيتِه، مع أولاده وزوجه، بينما يجد آخر فتح الله عليه، في عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو تفقُّد غائب، أو إكرام ضَيف، أو إصلاحٍ بين الناس ... إلخ
** وكذلك في الأخلاق والعبادات البدنية والرُّوحيَّة .. فقد يفتح الله لرجل، في صوم النوافل، ما لا يفتح له في القيام وتلاوة القرآن، ويفتح لآخر في الشجاعة والجهاد، ما لا يفتح له في أدنَى من ذلك !
وقد يَفتح له في البكاء والخشية، ما لا يفتح له في العِزَّة والهَيبة !
** وقد يفتح الله لآخَر، في العِلم والتعلّم والتعليم .. وذاك في نفسِه فُتوح وأبواب، فقد يَفتح الله لرجل، في التعلّم على سبيل النجاة، ولا يفتح له في تعليم الناس وتدريسهم !
وقد يَفتح الله لرجل، في القراءة والمُطالعَة والتصنيف والتأليف، ولا يَفتح له في إلقاء خُطبة أو مُحاضَرة!
وقد يَفتَح لفُلان في الفَهم والاستنباط، ما لا يَفتح له في الحِفظ!
وقد يفتح الله لرجل، في علمٍ واحد دون غيره، فيَبرَع فيه ويتقدّم، بينما يتعثَّر في غيره كثيرًا ويتأخّر .. حتى أنه ربَّما تعجَّب الناس لذلك!
بل إن الله تعالى، قد يَفتح للرجل في بعض أبواب الفنّ الواحد، ما لا يفتح عليه في بقيّتها .. فيفتح لعالِم في اللغة مثلًا في نَحْوِها، وربّما يتعثَّر في صرْفها .. ويفتح لآخر في شِعرها، وربّما تعثَّر في نَثْرها ...إلخ
وهكذا في القرآن وفُنونِه، والفقه وأصوله، والحديث وعُلومِه ...إلخ
** وقد يَجمعُ الله لرجل، بين كثيرٍ من ذلك، وبين هؤلاء وأولئك، ولكنّه في خَلقِه نادرٌ عزيز، وذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء!
** وفي الجُملة: فلْيَطرق الرجلُ جميع الأبواب، ولْيَطمع في سَعة فضل الله، ولْيَضرب في كلّ طاعةٍ بسَهم، فإن فاتَه جميعُها؛ فلا يُحرَم قليلُها، لا يُكلِّف اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها، ولْيَقنَع بما آتاهُ الله، فذاك الرزقُ والغِنَى، وفيه الخيرُ والرضا!
فلا تَحرموا أنفسَكم خيرَها الذي فُتِح لها فيه، بالتحسُّر والندامة على ما فاتَها، فقد أفلحَ مَن زكَّاها، وقد خابَ مَن دسَّاها؛ وتفقَّدوا إخلاصَكم ولذّة قلوبكم .. فحيثما وجدتُم ذلك؛ فالْزَموه وقِفُوا عليه، فثَمَّ وجهُ الله!
فإنَّ الله لا يَنظر إلى الصُّور والأعمال، قدْرَ نَظرِه إلى بواطن العُمَّال!