البحث
دعوة النبي صلى الله عليه و سلم في الطائف
تحت قسم :
أعمال القلوب
1706
2017/06/05
2024/11/07
رحلة الطائف... في مرحلة مهمة من مراحل الدعوة إلى الله في سيرة الحبيب المصطفى –صلى الله عليه و سلم-؛ يقوم النبي بالانتقال من دعوته إلى خارج المكان الذي عاش فيه وقد كان ذلك بسبب الأبواب التي أوصدت في وجهه ولم تمكنه من الدعوة في داخل مكة. فكر النبي –صلى الله عليه و سلم- في الدعوة إلى الله في الطائف لأسباب كثيرة منها أن الطائف هي المدينة الثانية بعد مكة؛ {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزُّخرف:31]؛ والمقصود بالقريتين هنا هما مكة والطائف. كما أن في الطائف توجد قبيلة ثقيف وهي من أقوى القبائل العربية والتي إن دخلت في الإسلام فستكون قوة كبيرة داعمة للدين في أول طريق الدعوة، وأيضاً فإن الطائف لم تكن بعيدة عن مكة كثيراً مما يساعد على نشر الدعوة دون فقد العدد الذي آمن مع النبي –صلى الله عليه و سلم في مكة. توجه النبي –صلوات ربي عليه و سلامه- إلى الطائف في شوال من العام العاشر بعد بعثة النبي –صلى الله عليه و سلم-. في شوال سنة عشر من النبوة [في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م] خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهابًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها.[1] وصل نبي الله محمد –صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف وهو يحمل في جعبته لهم الدعوة إلى دين الله الحق، ويحمل إليهم أيضاً طلب النصرة فهو يحتاج إلى قوم مثلهم في قوتهم ومكانتهم ليؤازروه وينصرونه في مواجهة كفار مكة. عمد النبي –صلى الله عليه و سلم- إلى ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة [أي يمزقها] إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك؛ فقام عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهم: «إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني»[2]. مكث النبي –صلى الله عليه و سلم- في الطائف عشرة أيام يدعوهم إلى الله فما قبلوا وما استجابوا لدعوته ثم اجتمع له سفهاؤهم وعبيدهم يطردونه من أرضهم ويرمونه بالحجارة ومولاه زيد بن حارثة –رضي الله عنه- يدفع عنه أذاهم قدر استطاعته؛ حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين، وورد في السيرة أنه دعا بعد ذلك دعاءه المشهور قائلاً: «اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»[3]. فلما رآه ابنا ربيعة شعرا نحوه بالعطف فأمرا غلامًا لهما نصرانيًا اسمه عَدَّاس بأن يعطى محمدا قطفًا من العنب. فمد النبي –صلى الله عليه و سلم- يده إليه قائلًا: «باسم الله» ثم أكل. فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟» قال: أنا نصراني من أهل نِينَوَى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى» قال له: وما يدريك ما يونس ابن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي»، فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها[4]. وأثناء عودة النبي إلى مكة كما جاء في الحديث؛ عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: ل «قيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان: هما جبلا مكة: أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا» (رواه البخاري). ثم كان أن آمن نفر من الجن برسالة النبي في أثناء عودته من رحلة الطائف، قال الله –تعالى-: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف:29-31]. رحلة الدعوة في الطائف بها العديد من الفوائد واللطائف والعِبَر: لقد كان النبي –صلى الله عليه و سلم- يجتهد في الدعوة إلى الله منذ كُلِفَ بالدعوة وكان سياسياً بارعاً يفكر أين يبدأ بالدعوة ومن هم القوم الذي يحتاج دعمهم لتقوية شوكة المؤمنين. طريقة النبي في الدعوة إلى الله هي منهج يُدرس للدعاة ولجميع المسلمين حتى تقوم الساعة. صبر النبي –صلى الله عليه وسلم- على الأذى وتحمله أنواع الإيذاء في سبيل الدعوة إلى الله، وثباته عليه الصلاة والسلام على الحق رغم ما لاقاه من رفض لدعوته. أخذ النبي بالأسباب من أجل الدعوة ولم يكتف بكونه نبيا وإنما بذل الغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الحق. وجوب نصرة النبي والدفاع عنه كما فعل زيد بن حارثه وجميع الصحابة والتابعين. دعوة النبي للغلام النصراني رغم ما كان عليه من حال بعد رحلة الطائف، لم يكن النبي –صلى الله عليه وسلم- ليضيع فرصة يدعو فيها لله رب العالمين. واجب الأنبياء والرسل هو الدعوة وأما الهداية فهي بيد رب العالمين، يقول االله –تعالى-:{وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}[العنكبوت:18]. صبر النبي على قومه ورحمته بهم عسى الله أن يهديهم أو يخرج من أصلابهم قوم يوحدون الله. بشريات النصر بإيمان نفر من الجن بدعوة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-. رحلة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف برغم ما كان فيها من صعوبات إنما كانت بوادر الفرج فكان اليُسر بعد العُسر والعطية بعد البلية والنصر لدين الله رب العالمين. ______________ [1] من كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري. [2] من كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري. [3] قال ابن القيم في زاد المعاد: "هذا حديث كبير جليل تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة"، وقال ابن القيم عنه في مرة أخرى أنه حديث مشهور، وقال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: غريب جدا وألفاظه في بعضها نكارة، وقال الألباني: إسناده ضعيف. ويقول بعض علماء الحديث أن هذا الدعاء لا إسناد له، رغم أنه مذكور في كل كتب السيرة العطرة تقريبا -عند ابن إسحاق وغيره - كما رأيته في تفسير ابن كثير رضي الله عنه، ذكره ضمن كلامه تفسيرا للآية 29 من سورة الأحقاف، وأورده السهيلى فى الروض الأنف ، وذكره الإمام ابن القيم أيضا في "زاد المعاد" الجزء الأول . وأورده أبو الفرج بن الجوزى في " الوفا بتعريف فضائل المصطفى". [4] من كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري.