البحث
الإيمان بالقرآن الكريم
القُرآن الكريم هو أعظم كتب الله المنزلة على رسله، وأبلَغُ آياته التي أيَّد الله بها رسالته، وأعظم أسباب هِدايته، وآخِر الكتب المنزلة على الرُّسل، ولا ينزل بعده كتابٌ ينسَخه، فهو آية الله إلى آخِر الدهر.
ويتحقَّق الإيمان بالقُرآن العظيم بأمور؛ منها:
1- الاعتقاد بأنَّه كلام الله تعالى حُروفه ومَعانيه، تكلَّم الله به حقيقةً، وأنَّه مُنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنَّه غير مخلوق.
2- تلاوته على أحسن وجْه يُستطاع، وتدبُّره وفهمه والعمل به والدعوة إلى الله تعالى على هُداه، وكما بيَّن نبيُّه صلى الله عليه وسلم، واعتقاد أنَّه بيان الله تعالى لعباده وهُدًى ورحمة.
3- اعتقاد عُموم دَعوته وشُمول شَريعته التي جاء بها لعُموم الثَّقلين، منذ نزَل وإلى أنْ يرفَعَه الله تعالى إليه آخِر الدَّهر، فلا يسَع أحدًا من الجنِّ والإنس إلاَّ الإيمان به وبما اشتَمَل عليه، وأنْ يَعبُدوا الله بشريعته؛ قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] ، وقال تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19].
4- اعتقاد نسخِه لجميع الكتب السابقة، فلا يجوزُ لأهْل الكتاب ولا لغيرهم أنْ يعبُدوا الله بعد نُزوله بغيره، فلا دِينَ إلا ما جاء به، ولا شريعة إلا ما شرع الله فيه، فالحلال ما أحلَّه، والحرام ما حرَّمَه، والهدى ما دعا إليه، والضلال ما خالَفه وضادَّه، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلَّا أنْ يتبعني» (أخرجه أحمد في المسند [3 /387]، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه).
5- سَماحة شريعته، ويُسر أحكامه وشُمولها لسائر أحوال الناس كافَّة، وبَراءتها من الآصار والأغلال التي كانتْ على الأمم الماضية.
6- أنَّ القُرآن هو الكتاب الوحيد الذي تَكفَّل الله بحِفظ لفظه ومَعناه من التحريف اللفظي والمعنوي؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].
7- أنَّه اشتمل على التحدِّي به، بل هو الآية العُظمى الذي أعجَزَ الله بها الجنَّ والإنسَ عن أنْ يأتوا بمِثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا؛ قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].
8- أنَّ الله تعالى بيَّن في القُرآن كلَّ ما يَحتاج الناس إليه في أمر دِينهم ودُنياهم، ومَعاشهم ومَعادهم؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "أُنزِل في هذا القُرآن كلُّ علم، وكلُّ شيء قد بُيِّن لنا في القُرآن".
9- أنَّ الله تعالى يسَّرَه للذِّكر والتدبُّر، وهذا من أعظم خَصائصه، فلولا أنَّ الله يسَّرَه لم يستطعْ أحدٌ من البشر أنْ يتكلَّم بكلام الله، لكنَّ الله يسَّرَه للذكر والعمل، فيسَّر جمعه، ويسَّر قِراءته، ويسَّر تفسيره وبيانه، وأيضًا يسَّره تعالى للتلاوة وفهْم المعنى للتفكير والتدبُّر والاتِّعاظ؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17].
10- أنَّه اشتَملَ على أحسَن ما في الكتُب السابقة؛ من العلوم والعقائد والأحكام والآداب والأخلاق، وضمَّنَه الله كلَّ ما تحتاجُه الأمَّة من هذه الأمور وزيادة على ذلك حتى يأتي الله بأمره؛ قال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، وقال سبحانه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، وقال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:138]، فقد تضمَّن أصولَ الملَّة وقَواعِدَ الشريعة، وأمَّهات الأخلاق وجوامع الآداب، والنهي عمَّا يُضادُّ ذلك أو يُنقصه.
11- أنَّه اشتَمل على أخْبار جُملةٍ من الرُّسل والأُمَم الماضية، وتفصيل ذلك بشكلٍ لا نظيرَ له في كتابٍ سابق؛ قال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود:100]، وقال تعالى: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه:99].
12- أنَّ القُرآن هو آخِر الكتب نزولاً، فهو خاتمها، والشاهِد عليها، والحاكم عليها؛ قال تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران:3-4] ، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة:48].
13- أنَّه أعظَمُ آيات الأنبياء والمُرسَلين - عليهم من ربهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم؛ كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنْبياء نبيٌّ إلا أُعطِي ما مثله آمَن عليه البشَرُ، وإنما كان الذي أُوتِيت وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أنْ أكونَ أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (أخرجه البخاري برقم [4981]، ومسلم برقم [152]، عن أبي هريرة رضي الله عنه).
14- أنَّه الكتاب الذي لا يأتي بعدَه كتابٌ ينسَخُه، فلا تبطل أحكامه، ولا تتبدَّل شريعته، ولا يترك العمل به حتى يأتي الله بأمره فيرفعه إليه كما بدَأ منه.
15- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن القُرآن بأقواله وأفعاله وتقريراته وأحواله، وإنكاره على مَن خالَف شيئًا من القُرآن في حياته؛ قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، فلم يـَمُتْ صلى الله عليه وسلم إلا وقد بيَّن كلَّ ما تحتاج إليه الأمَّة من القُرآن بَيانًا قامَتْ به الحجَّة، وحصَل به التبليغ؛ حَفِظَ ذلك مَن حفظه، ونَسِيَه مَن نسيه.
وللإيمان بكتب الله المُنزَّلة ثمراتٌ طيبةٌ؛ منها:
1- العلم بعناية الله تعالى بعباده؛ حيث أنزل لكلِّ قوم كتابًا بلسانهم يَهدِيهم به إلى عبادته.
2- العلم بحكمة الله تعالى في شَرعه؛ حيث شرَع لكلِّ قومٍ ما يُناسِب أحوالهم؛ كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48].
3- شُكر نعمة الله على ما بيَّنَ من العبادة وعلى ما أعظَمَ من المثوبة، وما زجَرَ به عن معصية بما ذَكَرَ من أليم العُقوبة.
4- عبادة الله تعالى على بصيرةٍ بالكتاب المنزَّل وتأسِّيًا بالنبي المُرسَل الذي أوجَبَ الله عليه بَيان كِتابه وهداية أمَّته إليه.
5- الاغتباط بما خَصَّ الله تعالى هذه الأمَّة المحمديَّة من التشريف وأنواع التكريم؛ حيث أنزَل لها أشرفَ كتبه وأعظم شرائع دِينه وأيسرها، وجعلها بالعمل به خيرَ أمَّة أُخرِجت للناس.