البحث
الكذب في الحياة الزوجية
بسم الله الرحمن الرحيم
الكذب وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة بين الزوجين، فالزوجة إذا اعتادت الكذب وعدم الاعتراف بالخطأ تُعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها وعدم تصديقها إن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل كذلك. ولو عمّت المصارحة بينهما لاختفت المشاكل وتلاشت فانعدام الثقة يُولد الشك والغيرة ويفتح أبوابًا لا يُحمد عقباها.
لو نظرنا إلى العلاقة الزوجية على وجه الخصوص باعتبار الأسرة أهم مؤسسةٍ اجتماعية، نجد أن تأثير الكذب من شأنه أن يهدم بناء هذه المؤسسة، أو في أقل الأحوال يُهدد أمنها واستقرارها بصفةٍ مستمرة، وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكننا أن نتحدث عن كذب أبيض وآخر أسود! إذا ما أردنا لهذه المؤسسة أن تكون مبنية على أساسٍ سليم وأن تكون مُخرجاتها سليمة، وتشكل عناصر بناءٍ صالحة في المجتمع. ولا يكاد يختلف اثنان على أن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية والأُسرية السليمة وأنه لا غني عن المصارحة بأي شكلٍ من الأشكال، ذلك أنها ضروريةٌ جدًا لقيام حالة التفاهم وخصوصًا المودة وبناء وتعزيز الثقة بين الزوجين.
لماذا يكذب الأزواج
يرى البعض أنه نادرًا ما يلجأ الرجل الشرقي للكذب على زوجته؛ نظرًا لاعتزازه بنفسه، ولأنه لا يهاب زوجته وقليلاً ما يضع خاطرها في الاعتبار، أما المواقف القليلة التي يضطر فيها للكذب، فهي غالبًا تتعلق بمشكلة بين الزوجة وأهل الزوج، فلأن الرجل دائمًا منحاز إلى أهله، ولأن الزوجة لا بد أن تكون مخطئة، فإن عليه أن يكذب حتى يصل إلى هذه النتيجة.
بينما يرى آخرون أن هناك كثير من الرجال يكذبون بشأن علاقاتهم النسائية، وليس الكذب في إخفاء مثل هذه العلاقات فقط، ولكنهم أيضًا يدعونها، فهناك زوج يُوهم زوجته بتعدد علاقاته النسائية وأنه كما يقال "ساحر النساء"، في حين لا يكون له أي علاقةٍ على الإطلاق. يفعل ذلك من أجل أن يثير غيرة زوجته، ويستكشف مدى حبها له، وهذا ما يضايق الزوجة؛ لأن أكثر ما يجرح المرأة ويهين مشاعرها أن تدرك أن هناك امرأةٌ أخرى في حياة زوجها؛ لذا ينبغي على كل رجل أن يختبر مشاعر زوجته تجاهه بطرقٍ أخرى أكثر لياقة.
أما الزوجة فغالبًا ما تخشى الكذب؛ لأنها تخاف عواقبه إذا ما علم به الزوج، وإن اضطرت له فيكون بشأن أبنائها بسبب عاطفتها نحوهم، وإن كان ذلك قد يسبب عواقب وخيمة على الجميع. وبعض الزوجات تضطر للكذب على زوجها في بعض المواقف، خاصة عندما يسألها عن شيء يخص أهلها لا تحب الإفصاح عنه، فتلجأ لمغايرة الحقيقة حتى تخرج من الموقف دون خسائر على علاقتها بأهلها أو بزوجها.
رأي الشرع
لم يرد في الشرع ما يباح فيه الكذب إلا في ثلاثة أمور: الحرب، والإصلاح بين الناس، وكلام الزوج العاطفي لزوجته، أي أن يضع الزوج على الزوجة ما ليس فيها من صفات، وهو ما يتعلق بمبالغة الزوج في مغازلتها والثناء عليها، وهذا الكلام نوع من المجاملة الرقيقة والجميلة التي تجذب المرأة وتترك في نفسها تأثيرا قويا ينعكس على سعادة الأسرة كلها، فهذا كذب تحبه المرأة من زوجها، وهنا يكون هدف الزوج من الكذب التمسك بزوجته والرغبة في إسعادها من أجل المنفعة العامة للأسرة وحفاظًا على ديمومة العلاقة الزوجة وضمان استمرارها ونموها.
أيضًا قد يكون التظاهر والكذب بهدف الحفاظ على كيان الأسرة ومصلحة الأبناء وحفظ الأسرار والخصوصيات؛ منعا لخلاف قد يحدث بين الزوجين أو بينهما وبين الآخرين، أو إصلاحًا لخلافات قائمةٍ بالفعل .. فإن ذلك يكون مباحًا، ولكن في أضيق الحدود حتى لا تتحول إلى عادة.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (مسلم: 2607)، فالكذب ليس فيه الأبيض والأسود، وإن كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد أباح الكذب في حالاتٍ قليلة ومعروفة؛ فهو يهدف بذلك إلى مصلحةٍ ما، دون ضررٍ ولا ضرار، ولكنه عندما يصبح عادةً ومنهجًا للحياة فهذا يرفضه الإسلام، وعلاج هذه المشكلة يتمثل في العودة إلى مبادئ الإسلام الذي جعل من الزواج سكنًا ورحمةً ومعاشرةً بالمعروف، والذي أوجب على الزوج إكرام زوجته إذا أحبها، وعدم ظلمها إذا كرهها؛ فعندما نتبع هذه القيم والمبادئ فلن تكون هناك حاجة للادعاءات والتحايل.
سوء العاقبة
عندما يكتشف أحد الزوجين كذب الآخر لا يكون اكتشافه بسبب تفوق ذكائه، ولكن الظروف دائمًا ما تكون مسؤولةٌ عن كشف الحقائق، وعادةً ما يكون الطرف الذي يشك في كلام الآخر باستمرار هو الطرف الأكثر كذبًا، وعمومًا يمكن التسامح إذا كان الكذب في أمورٍ بسيطة، وإذا كان هناك أساس قوي من المودة، أما إذا غاب الحب وكانت العلاقة الزوجية متصدعةً من الأساس فإنه في تلك الأجواء يمكن أن يؤدي الكذب إلى حدوث الانفصال؛ لأنه يسبب حالةً من فقد الثقة بين الطرفين.
لا للكذب
معرفة الزوجين بمهارات الحوار والمصارحة سببٌ من أسباب نجاح الزواج وديمومته .. فما هي الكلمات التي يقولها كل طرف للآخر وقت الخلاف؟ وكيف يصارح كل طرف الآخر بما يغضب الآخر لو سمعه ؟ وكيف يتعامل أحد الطرفين مع الطرف الآخر الصامت والكتوم؟ وما هي الكلمات التي تغيظ الطرف الآخر أو تهدئ من روعه؟ وما هي أفضل الأوقات للمصارحة وإخراج ما في النفوس؟.. أسئلةٌ كثيرةٌ مهمةٌ لنجاح أي علاقة سواء أكانت علاقةً زوجية أم علاقة صداقة أم غيرها، ويمكن للزوجين أن يتعلما هذه المهارات من خلال الاحتكاك اليومي ومعالجتها.
أيضًا يجب أن يساعد الزوجان بعضهما في ذلك، بأن يعطي كل منهما للآخر الفرصة كاملة لكي يظهر على طبيعته، ويترك النقد المستمر والتعليقات المؤذية ومحاولة التفهم والتعرف والسماح وترك "الأنا" واستبدال "نحن" بها وبذل الجهد لتقويم العلاقة.
وأخيرًا، من الملاحظ دائما أن غالبية الناس يعلق أسباب المشاكل عند حدوثها لهم على غيرهم، فدائماً نسمع عبارة: أبي هو السبب، أو أمي، أو المدرسة، أو أبنائي أو الحكومة .. دائماً يردد الناس هذه العبارات، والتي يحب فيها الشخص أن يخلي نفسه من دائرة المسؤولية، ويعلق فشله على الآخرين، ولكن هذا تصرف الضعيف والإنسان السلبي، أما الشخص الإيجابي فهو الذي يلتفت إلى نفسه وإلى ذاته عند حدوث أي مشكلة له، وهذا ما نريده للزوجين عندما يخوضان أي مشكلة زوجية أن يستفيدا منها، فيكون من فوائد هذه المشكلة أن يلتفتا إلى نفسيهما، ويحاسبانها، وأن يكتشفا الخلل الشخصي، ثم يبدءان في وضع خطة لتطوير نفسيهما لمواجهة المشاكل المستقبلية، ولهذا فإننا نقول إن من منافع المشاكل الزوجية أن يتعرف الزوجان على قدراتهما الخاصة ويسعيا لتطويرها.