1. المقالات
  2. أعمال القلوب
  3. الإسلام أعظم من الإنسانية

الإسلام أعظم من الإنسانية

الكاتب : محمد أحمد العبادي
تحت قسم : أعمال القلوب
2087 2017/03/17 2024/10/15

كثيرًا ما نسمع من الناس، دعونا نترك الدين جانبًا ونكن إنسانيين مع بعضنا البعض ونعزل الدين عن حياتنا وأن نبقي الدين في بيوتنا معزولًا مقيدًا لا يجبُ استعمالهُ في معاملاتنا مع الناس.
هذه المطالبات كانت من غير المسلمين ولكن في الآونة الأخيرة صارت تُسمع من المسلمين أنفسهم أو إن صح تسميتُهم بذلك لأنهم (مُتأسلمون).

فمن يطالب بعزلِ الإسلام عن المعاملات وعن الحياة وتركهِ مهجورًا في زوايا بعيدة عن الإنسان واستبدال الإنسانية به فهو قطعًا لا يعرفُ ما هو الإسلام الحقيقي.
ولا يعرفُ أن شرائع الإسلام هي أعظم من شرائع الإنسانية وأن الإسلام هو أكثر إنسانية من الإنسانية نفسها، لأن الإسلام هو أول من طبق وأوجد الإنسانية وشرع قوانينها وكرم الإنسان ورفع قيمتهُ وكرامتهُ. {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}   [الإسراء:70]
كيف لا يكونُ الإسلامُ أعظم من الإنسانية؟! والإسلامُ هو وحدهُ من يُخلِصُك من عذابِ الآخرة.
فهو لا يريدُ لكَ العذاب، لأنك كإنسان مهم جدًا وأنت هدف الإسلام لإخراجك وإنقاذك من الظلمات إلى النور في جناتٍ تُسعدُ فيها خالدًا.
أن تكون إنسانيًا فقط هذا لا يضمنُ لك دخول الجنة واستمرار سعادتك وجني ثمار أخلاقك في الآخرة بل يجبُ أن تكون مسلمًا حقيقيًا مع الآخرين تعاملهم بمبادئك الإسلامية ابتغاء وجه الله عز وجل.
فالله سبحانه وتعالى قد وضح هذا الأمر وبين ما هو حكمك ومصيرك إن كنت إنسانيًا دون أن تكون مسلمًا وهو ما
دل عليه الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على أن ما عمله الكافرون من خير لا يثابون عليه في الآخرة ما داموا قد ماتوا على الكفر، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}   [الزمر:65] ، وقال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}   [البقرة:217] ، وقال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}   [المائدة:5] . والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأخرج [مسلم] عن عائشة رضي الله عنها قالت: « يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعهُ؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» .
معنى ذلك أن إنسانيتك وحدها مع الآخرين لا تنجيك ولا تضمنُ لك دخول الجنة وأن إنسانيتك وحدها ليست رحيمةً كفاية لكي تسعدك في الدنيا والآخرة فهي لا تكتمل إلا بالإسلام ولا تجني ثمارها إلا أن تكون أعمالك خالصة لوجه الله تعالى «فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل».
ولكن لأن عدالة الله سبحانه وتعالى كبيرة فقد بين لنا أن ما عملهُ الكفار من أعمالِ الخير يثابون عليه في الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب، كما قال الله تعالى في شأنهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [ الفرقان:23] .
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمه من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته» . [رواه مسلم عن أنس] .
هذا معناه أن تكون إنسانيًا فقط، هذه الإنسانية تنفعك في الدنيا فقط، لأن مصطلح الإنسانية ليس كاملًا والإسلام هو من يكمل الإنسانية.
أي أن الإسلام يحقق شروط الإنسانية لكن العكس غير صحيح. لأن الإسلام الصحيح يحث المسلم الحقيقي على أن يكون في قمة الإنسانية عند تعامله حتى مع غير المسلمين يحفظ لهم حقوقهم ويصون عرضهم ويحترم جوارهم ويحسن إليهم.
وخيرُ مثالٍ أذكره قِصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع (مسطح بن أثاثة) عندما اتهم مسطح ابنته عائشة (رضي الله عنها) بحادثة الإفك منع أبو بكر عن مسطح النفقة وقال أبو بكر:
«‏والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا، ولا أنفعه بنفع أبدًا بعد الذي قال لعائشة».
عندها نزل الأمر الرباني من السماء، أمر الله (الرحيم بكل عباده) إلى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لكي يأمر أبا بكر بإعادة ما كان يُنفقه على مسطح قبل هذه الحادثة.
وقال الله تعالى في ذلك: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}   [النور:22] .
وهنا تتجلى معاني الإنسانية كلها في الإسلام فأن تكون إنسانيًا يمكن أن ينقطع ذلك بغضبك، لكن أن تكون إسلاميًا فذلك لن يحدث وستبقى تتعامل بأخلاق إسلامية عالية ولا ترضى الذل والهوان لا للمسلمين ولا لغيرهم، فالمسلم يأبى غير الكرامة والعزة له ولغيره ممن هم في جواره والحال نفسه في كل المجتمع الإسلامي الرفيع، حيث يعيش الناس آمنين على أنفسهم، آمنين على بيوتهم، آمنين على عوراتهم وأسرارهم، ولا يوجد مبرر – مهما يكن – لانتهاك تلك الحرمات، وحتى ذريعة تَتَبُّع الجريمة وإثباتها لا تصلح في النظام الإسلامي مسوغًا للتجسس على الناس، فالناس على ظواهرهم، وليس لأحد أن يتعقب بواطنهم.
وختامًا أقول مُقتبسًا من قول أحد الشيوخ:
«الإسلام دين الرحمة والقوّة، والرحمة لا تعني الذلة والقوّة لا تعني الظلم، فكل رحمة في غير موضعها فهي ذلة وكل قوة في غير موضعها فهي ظلم».
فأيها المسلمون كونوا مسلمين حقيقيين لا تميلوا حسب الأهواء لترضوا الناس وتتهاونوا في إرضاء رب الناس.
فمن طبق الإسلام بحدوده الصحيحة فإنه سوف يطبق الإنسانية الحقيقية وبها يرضي الله والناس جميعًا.
– وأقصد بالحدود الصحيحة ليست تلك الحدود التي شوهها من غايتهُ هدم الإسلام وجعله يبدو للناس أنه ضد الإنسانية وأنه دين عدوانية فقط، وَمَن أخطرُ مِنهمُ أولئك الذين يَحسِبون أنفسهم على الإسلام، والإسلام منهم براء لأنهم يُنَفِّرون المسلمين قبل غيرهم من الإسلام – لكن أقصد الحدود الإسلامية الثابتة التي أمرنا الله ورسوله بالتزامها واتباعها.
فالإسلام أصل الإنسانية وما أنزَله الله تعالى إلا ليحفظ للإنسان إنسانيتهُ وكرامتهُ ولكي يضمن له سعادة الدنيا والآخرة.
فكونوا مسلمين حقيقيين قدوتكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في التعامل مع كل الناس لكي تصلوا إلى أعظم إنسانية حقيقية صادقة دون رتوش تختلف عن تلك التي استعملها البعض مؤخرًا وشوه على الإسلام إنسانيتهُ وطبقه على غير حقيقته لتتناسب مع غاياته الدنيئة.
ولأن الإسلام أعظم وأرحم من الإنسانية فإن أردت أن تكون إنسانيًا صادقًا فلا سبيل أفضل لك من الإسلام الحقيقي.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day