البحث
أمثال النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء
ولما كانت الغاية التي بعث بها جميع الأنبياء ودعوا إليها واحدة , ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لذلك في الحديث الذي في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة , والأنبياء إخوةٌ لعلاّت , أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) فهذا الحديث يوضح أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالإخوة لأب , أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد , فقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقهم في التوحيد والإسلام وأصول الإيمان باشتراك الإخوة لأب في أب واحد , ومثل اختلافهم في فروع الشرائع باختلاف هؤلاء الإخوة في أمهاتهم , إذا فدين الأنبياء عليهم السلام واحد, ودعوتهم واحدة , وهي الإسلام بمعناه العام , الذي يعني الاستسلام لله عز وجل وتوحيده وإفراده بالعبادة دون ما سواه , قال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران: 19) .
كما أن هناك أموراً أخرى اتفقت عليها جميع الأديان والرسالات ودعت إليها , وهي الأخلاق والقيم التي فطر الله الناس عليها , فقد تضمنتها دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , ولا يمكن أن يعتريها تبديل أو تغيير أو نسخ , مثلها مثل التوحيد وأصول الإيمان , ومن أمثلة تلك الأخلاق والقيم , بر الوالدين , وإقامة القسط بين الناس , وتحريم الفواحش والظلم وقتل النفس بغير حق , وغير ذلك من محاسن الأخلاق , وما عدا ذلك فقد جعل الله لكل رسول شريعة خاصة به لقومه , قال سبحانه : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } (المائدة: 48) ، حتى ختم الله جميع الرسالات والشرائع بما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , من الرسالة الخالدة , والشريعة الكاملة الشاملة , التي كتب الله لها البقاء والخلود والقيام بمصالح العباد في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال على كمال هذه الرسالة , وكيف أن الله ختم بها جميع الرسالات , روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) .
ففي هذا الحديث مثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموكب الكريم موكب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتعاقب إرسالهم إلى الناس بالبيت الذي أسست قواعده ، ورفع بنيانه , وقد اعتنى صاحبه عناية شديدة بعمارته وتزيينه حتى بلغ الغاية في الحسن والجمال , ولم يبق له إلا موضع حجر في زاوية به يتم هذا البناء ويكتمل حسنه وجماله , فشبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وما بعث به من الرسالة الخاتمة , بهذا الحجر الذي اكتمل به هذا البنيان , فبمبعثه عليه الصلاة والسلام ختمت الرسالات , وتمت الشرائع , وقامت الحجة على العباد , وجمع الله عز وجل في هذه الشريعة ما تفرق في الشرائع السابقة من الخير والهدى , فجاءت بجميع مصالح العباد الدنيوية والأخروية , منظمة لنواحي حياتهم المختلفة , مغنية لهم عما سواها في جميع شؤونهم , ولو طال بهم الأمد , واختلفت الأحوال والظروف , حضارة وثقافة , وقوة وضعفاً .