البحث
مقدمة الأحاديث النبوية الكلية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، حمداً طيباً مباركاً فيه، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن خير العوم ما كان متَّصلاً بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة، وقد بذل سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - من الجهود في هذا السبيل ما هو معلوم لكل طالب علم، مما لا يحيط به الإحصاء، فكان الواحد منهم يمضي عمره كله في سبيل إعداد كتاب يضعه بين أيدي الناس، موفراً لهم الوقت، ومقرباً لهم ما هم بحاجة إليه.
وخير مثال على ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (ت 241هـ) الذي أمضى عمره كله في سفر وترحال وسهر وتحمل مشاق، ليقدم للمسلمين ويضع بين أيديهم ثمرة جهوده في كتاب سماه "المسند"، وقد انتقى أحاديثه من بين مئات آلاف الأحاديث التي جمعها، إنه جهد لا يستطيع تقدير حجمه إلا من عرف سيرة هذا الإمام، وكان له نصيب من الاشتغال بطلب العلم.
ومن هنا كانت كلمات هؤلاء الرجال التي تصدر عنهم ذات قيمة كبيرة؛ لأنها حصيلة علم مترامي الأطراف، واسع الظلال، فينبغي الاستفادة منها، والتمسك بها، لأنها خلاصة تجربة امتدت مساحتها طول الحياة.
ومن هذه الكلمات قول الإمام أحمد - عندما أراد أن يقدم خلاصة فقهه وعلمه بالسنة النبوية، ويلفت النظر إلى أحاديث جامعة بغية تعلمها ومعرفة فقهها - قال: "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث:
- حديث عمر: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
- وحديث عائشة: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).
- وحديث النعمان بن بشير: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ).
إن مثل هذه المعلومة عندما تصدر عن الإمام أحمد، فإنها لا تقدر بثمن لنفاستها، فهو المحدث وهو الفقيه.
وقد صدرت كلمات أخرى تشبه هذه الكلمة، وتلتقي معها، عن الإمام الحافظ إسحاق بن راهوية (ت 238 هـ)، وكذلك عن الإمام الحافظ أبي داود (ت 275 هـ) صاحب السنن.
وبعد ذلك بزمن، أملى الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن موسى الشهير بابن الصلاح (ت 643 هـ) مجلساً سمَّاه: الأحاديث الكلية، جمع فيه الأحاديث الجوامع التي يقال: إن مدار الدين عليها. . وقد اشتمل مجلسه هذا على ستة وعشرين حديثاً.
ثم إنَّ الإمام أبا زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ) أخذ أحاديث ابن الصلاح وزاد عليها، حتى بلغت اثنين وأربعين حديثاً، وسمَّى كتابه "الأربعين" وعرف بالأربعين النووية.
ثم جاء الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) فزاد عليها حتى بلغت خمسين حديثاً، وسمَّى كتابه "جامع العلوم والحكم".
وقد رأيت أن الكلمات التي صدرت عن الرعيل الأول، هي أكثر دقة في الدلالة على ما ذهبوا إليه من حيث اختيار الأحاديث التي هي أصول الأحكام، بل وأصول الإسلام، وما أضيف إليها بعد ذلك فهو في معظمه شروح وتطبيقات لتلك الأصول المختارة.
ولهذا أحببتُ أن أعتني بهذه الأحاديث، وقد بلغ عددها ثمانية وأضفت إليها حديثين هما في مستوى ما اختاره الأئمة - كما سيرى القاريء الكريم - فبلغ المجموع عشرة، وهي جميعها من أحاديث الأربعين النووية، وهي جميعها ممَّا رواه الشيخان - البخاري ومسلم - أو أحدهما.
واستفدتُ في شرحها من شرح الحافظ ابن رجب في كتابه "جامع العلوم والحكم"، فاخترت منه ما يحتاج إليه كل قاريء، دون ما ذهب إليه من استطرادات وبحوث لا يستفيد منها إلا المختصون، وقد وضعتُ كلامه بين حاصرتين [ ]، وما أضفته من شروح غيره بينت مصدره.
وهذه الأحاديث هي من جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ).
واستكمالاً للفائدة، فقد وضعت بقية أحاديث "الأربعين النووية" في القسم الثاني من الكتاب.
وسوف يكون الشرح مقتصراً على الأحاديث التي تحتاج إلى ذلك، وبشكل مختصر يؤدي الغرض دون تطويل.
هذا، وأرجو أن أكون قد وفقت فيما قصدت إليه، وإن جانبني الصواب فحسبي أني اجتهدتُ، وبذلت الجهد، وللمجتهد أجره إن شاء الله تعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.