البحث
إنما الأعمال بالنيات
قال الحافظ أبو الفرج ابن رجب الحنبلي عند شرحه لحديث:
(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ):
"وهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها:
- فروي عن الشافعي: أنه قال: هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين باباً من الفقه.
- وقال الإمام أحمد: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث:
- حديث عمر: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
- وحديث عائشة: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).
- وحديث النعمان بن بشير: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّن).
وقال الحاكم: حدثونا عن عبدالله بن أحمد، عن أبيه: أنه ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، وقوله: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وقوله: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ). فقال: ينبغي أن يبتدأ بهذه الأحاديث في كل تصنيف، فإنها أصول الأحاديث.
- وعن إسحاق بن راهويه، قال: أربعة أحاديث هي من أصول الدين:
- حديث عمر: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
- وحديث: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّن).
- وحديث: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا).
- وحديث (مَنْ صَنَعَ فِي أَمْرِنَا شيئاً مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ).
- وروى عن عثمان بن سعيد، عن أبي عبيد، قال:
- - جمع النبي صلى الله عليه وسلم جميع أمر الآخرة في كلمة واحدة: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).
- وجمع أمر الدنيا كله في كلمة واحدة: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ). يدخلان في كل باب.
- وعن أبي داود، قال: نظرتُ في الحديث المسند، فإذا هو أربعة آلاف حديث، ثم نظرتُ فإذا مدار
- أربعة آلاف حديث على أربعة أحاديث:
- حديث النعمان بن بشير: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّن).
- حديث عمر: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
- وحديث أبي هريرة: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا).
- وحديث: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ).
وفي رواية ثانية: عن أبي داود، قال: ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:
- أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
- والثاني: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ).
- والثالث: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
- والرابع: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّن).
وفي رواية ثالثة له: جعلها خمسة، وزاد على ما سبق:
- (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)
- (الدِّينُ النَّصِيحَةُ).
- (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجتنبوه)" انتهى قول ابن رجب.
هذه عشرة أحاديث، قيل عن كل منها: إنه أصل من أصول الإسلام وهناك حديثان منها لم يبلغا مبلغ الصحة؛ وهما: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)، و (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)، فينبغي استبعادهما، فلا يعقل أن يكون الحديث من الأصول وهو لم يرتق إلى الصحة، وهذان الحديثان انفرد أبو داود رحمه الله بإضافتهما إلى هذه الأحاديث.
وهكذا بقي لدينا ثمانية أحاديث، أحدها رواه الإمام مسلم، وبقيتها متفق عليها بين الشيخين - البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى.
وبعد النظر في هذه الأحاديث لم نجد بينها قوله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) وهو أصل من أصول الإسلام؛ لأنه يجمع أركان الإسلام.
ولبيان سبب ذلك أقول:
ليس من المعقول أن يغيب مثلً هذا الحديث عن هؤلاء الأئمة، حتى لم يذكره واحد منهم، وإنما هذا الحديث وأمثاله ليس في دائرة الموضوع الذي يتحدثون عنه، فقضية الإيمان والاعتقاد وأركان الإسلام ليست في إطار ما يقصدون إليه، وإنما كان هدفهم أن يضعوا بين يدي الإنسان المسلم - الذي استقر الإيمان في قلبه - ما يضبط به سلوكه الشخصي، وما يصحح به معاملته مع الآخرين.
فالمقصود بيان الأحاديث الجامعة التي تضبط أقوال المسلم وأفعاله بحيث تكون منضبطة مع ما جاء به هذا الدين الحنيف من الشرائع.
وهنا قد يسأل سائل: إذا كان الأمر كذلك، فما الذي دفع الإمام أحمد وكذلك الإمام إسحاق إلى وضع حديث: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ. . .) بين هذه الأحاديث، ومن المعلوم أنه يتحدث عن قضية عقدية. . وهي كتابة رزق الإنسان وأجله وعمله وشقي أو سعيد، وهو في بطن أمه عند نفخ الروح فيه؟.
ويجيبنا على هذا التساؤل الإمام الترمذي، حيث وضع هذا الحديث في جامعه تحت عنوان: "باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم".
وعلى هذا: فالحديث في بعض ما جاء فيه داخل في إطار العمل.
وإذا كنا نتحدث عن الأحاديث التي عليها مدار أحكام الإسلام؛ فلا بد لنا من ذكر حديث جبريل عليه السلام في بيان الإسلام والإيمان والإحسان؛ فهذا الحديث - فيما رأى - مقدم على جميع الأحاديث التي سبق ذكرها، وإن لم يكن كذلك فهو مثلها.
فهذه تسعة أحاديث، ولما كان من المستحسن استكمال العقد، بإضافة حديث آخر حتى تبلغ عشرة، نظرت في أحاديث "الأربعين النووية" أكثر من مرة، وبعد التأمل رأيت أن حديث سفيان بن عبد الله الثقفي: (قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ) هو في مستوى الأحاديث الأصول، فاخترته ليكون ختام العقد، كما كان حديث جبريل بداية لهذا العقد.
وأخيراً: فإن الأحاديث التي اختارها الأئمة كلها تصب في بيان السلوك الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه المسلم تجاه نفسه وتجاه الناس.
أما الحديثان اللذان أضفتهما؛ فهما يبينان ما يجب عليه في أمر العقيدة والإيمان، وبهذا يكمل التصور الكلي لما ينبغي أن يكون عليه الفرد المسلم.