البحث
مقدمة رسائل قرآنية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، حمداً طيباً مباركاً فيه، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منجماً - مفرقاً - في ثلاث وعشرين سنة، ولم ينزله دفعة واحدة، وذلك لحِكَمٍ كثيرة، نذكر اثنتين منها:
فالعرب أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة، فكان نزول الآيتين والثلاث يسهل عليهم قضية الحفظ.. يومئذ.
والأمر الآخر: أن الله سبحانه أراد إنشاء هذه الأمة وفقاً لهذا المنهج العظيم الذي جاء به القرآن الكريم، فكان النزول مفرقاً مساعداً لهم على أمر التطبيق، فما تنزل الآيات حتى يكون المسلمون قد أتقنوا العمل بما سبق نزوله من الآيات.
فكان حفظ الآيات مسايراً لتطبيقها.
وقد جاء في السنة المطهرة أحاديث كثيرة تحثهم على تلاوة القرآن وحفظه، وتبين لهم مقدار الأجر العظيم لمن فعل ذلك.
وهكذا لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم كان القرآن محفوظاً ومكتوباً، ومعمولاً به في واقع الناس.
ولما تقدم الزمن في قرن التابعين استمر الناس على اهتمامهم بأمر تلاوة القرآن وحفظه، وبدأ شيء من الفتور في أمر التطبيق؛ الأمر الذي شكل ظاهرة لفتت نظر الصحابة وعلماء التابعين إلى خطر هذا الموضوع، فارتفعت أصواتهم بالتنبيه على ضرورة العمل بالقرآن كضرورة الحفظ.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "أنزل القرآن عليهم ليعملوا به، فاتخذوا دراسته عملاً، إن أحدهم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفاً، وقد أسقط العمل به" (1).
وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: "اتخذ كتاب الله إماماً، وارض به قاضياً وحكماً" (1).
واستمر هذا النداء في التابعين.
فهذا محمد بن كعب القرظي - التابعي المشهور - يقول: "من بلغه القرآن، فكأنما كلمه الله، وإذا حصل ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمل ويعمل بمقتضاه" (2).
إنها كلمات مضيئة، ينبغي التوقف عندها، فإنها تعالج أمراً عظيماً من أمور الأمة، وهو صلتها بكتابها.
وقد رأيت أن أتوقف عند كلمتين منها:
الأولى: لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، إذ قال مخاطباً قارئ القرآن الكريم: "إذا سمعت الله سبحانه يقول:
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا}
[البقرة: 104]
فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به، أو شهر ينهى عنه".
وقد يسر الله لي جمع الآيات المبدوءة بقوله تعالى {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا} وشرحها وتم إخراجها في كتاب تحت عنوان: "نداء الإيمان في القرآن الكريم" (1).
الثانية: كلمة لإمام التابعين الحسن البصري رحمه الله، يقول فيها مخاطباً قراء القرآن في زمنه:
"إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها في النهار" (2).
إنها كلمات قليلة، تحمل توجيهاً قيماً ومعلومة عزيزة نادرة، عايشها الحسن البصري، فنقلها إلينا.
هكذا كان جيل الصحابة - خير القرون - يتعامل مع القرآن الكريم:
إنه رسائل..
والرسالة إذا كانت قادمة من محبوب أو عزيز.. يقرؤها الإنسان مرات ومرات، يحاول أن يستخرج ما خلف الكلمات وما خلف السطور من معانٍ وأفكار.. وذلك حسب مكانة المرسل من المرسل إليه.
فإذا كانت الرسالة من الله تعالى خالق الإنسان ومكرمه إلى الإنسان، فكيف ينبغي أن تكون قراءتها؟!
إننا بحاجة ماسة إلى الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم، حتى يكون لقراءة القرآن أثرها في واقعنا الاجتماعي.
وقد حاولت بقدر جهدي الضعيف أن أقرأ القرآن بهذه الطريقة.. وخلال هذه القراءة اخترت عدداً من الرسائل أحببت أن يشاركني الإخوة الكرام الوقوف عندها.
وقد شرحت هذه الآيات الكريمة شرحاً مختصراً معتمداً على تفسيري "ابن كثير" و"الظلال"، ليرجع القارئ الكريم إليه بعد أن يقف أمام الآية محاولاً فهم ما تحمله من معان قبل أن يرجع إلى الشرح، فلعل الله ييسر له من الفهم ما فيه الخير، ثم يعود إلى الشرح إن رغب.
ومن المفيد: العلم بأن في القرآن الكريم أكثر من ستة آلاف آية، وبعض هذه الآيات يحمل الرسالة والرسالتين والثلاث.. وقد يكون العدد من الآيات يحمل رسالة واحدة.
وقد قدمت لهذه الآيات المختارة بفصل تحدثت فيه عن ضرورة توثيق صلتنا بالقرآن الكريم.
وإذا كان "الحسن البصري" هو صاحب الكلمة الباعثة على كتابة هذه الرسالة، فمن المستحسن أن نذكر له ترجمة مختصرة نتعرف بها عليه.
هذا ما يسره الله تعالى وأرجوه - سبحانه - أنه ينفع به
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع
- (1) المهذب من إحياء علوم الدين: (1/ 230)، طبعة دار القلم.
- مواعظ الصحابة، ص (261)، نشره المكتب الإسلامي.
- المهذب من إحياء علوم الدين: (1/ 239).
- طبعته دار القلم بدمشق.
- إحياء علوم الدين (1/ 275).