1. المقالات
  2. الجزء الثالث_زاد المعاد
  3. في هديه في الحمية الدواء كله شيئان حمية وحفظ صحة

في هديه في الحمية الدواء كله شيئان حمية وحفظ صحة

3903 2007/11/27 2024/10/05

 
في هديه في الحمية الدواء كله شيئان حمية وحفظ صحة

 

 فإذا وقع التخليط احتيج إلى الاستفراغ الموافق وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة والحمية حميتان حمية عما يجلب المرض وحمية عما يزيده فيقف على حاله فالاول حمية الاصحاء والثانية حمية المرضى فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه عن التزايد وأخذت القوى في دفعه والاصل في الحمية قوله تعالى (   وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) النساء 43 والمائدة6 فحمى المريض من استعمال الماء لأنه يضره وفي سنن ابن ماجه وغيره عن ام المنذر بنت قيس الأنصارية قالت دخل علي رسول الله ومعه علي وعلي ناقة من مرض ولنا دوالي معلقة فقام رسول الله يأكل منها وقام علي يأكل منها فطفق رسول  الله يقول لعلي إنك ناقه حتى كف قالت وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النبي لعلي من هذا اصب فإنه أنفع لك وفي لفظ فقال من هذا فأصبفإنه أوفق لك وفي سنن ابن ماجة ايضا عن صهيب قال قدمت على النبي وبين يديه خبز وتمر فقال أدن فكل فأخذت تمرا فأكلت فقال أتأكل تمرا وبك رمد فقلت يا رسول الله امضع من الناحية الاخرى فتبسم رسول الله وفي حديث محفوظ عنه إن الله إذا احب عبدا حماه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب وفي لفظ إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا


وأما الحديث الدائر على ألسنة كثير من الناس الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما اعتاد فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب ولا يصح رفعه إلى النبي قاله غير واحد من أئمة الحديث ويذكر عن النبي أن المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسقم 


وقال الحارث رأس الطب الحمية والحمية عندهم للصحيح في المضرة بمنزلة التخليط للمريض والناقة وانفع ما تكون الحمية للناقة من المرض فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها والقوة الهاضمة ضعيفة والطبيعة قابلة والاعضاء مستعدة فتخليطه يوجب انتكاسها وهو اصعب من ابتداء مرضه  ،، واعلم ان في منع النبي لعلي من الاكل من الدوالي وهو ناقه احسن التدبير فإن الدوالي اقناء من الرطب تعلق في البيت للاكل بمنزلة عناقيد العنب والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها فإنها لم تتمكن بعد من قوتها وهي مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة فتشتغل بمعالجته وإصلاحها عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره فإما أن تقف تلك البقية وإما أن تتزايد فلما وضع بين يديه السلق والشعير امره أن يصيب منه فإنه من انفع الأغذية للناقة فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقة ولاسيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من اوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ولا يتولد عنه من الاخلاط ما يخاف منه وقال زيد بن أسلم حمى عمر رضي الله عنه مريضا له حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى
وبالجملة فالحمية من أنفع الادوية قبل الداء فتمنع حصوله وإذا حصل فتمنع تزايده وانتشاره 

 

 

فصل

ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقة والصحيح إذا اشتدت الشهوة إليه ومالت إليه الطبيعة فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله بل ربما انتفع به فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى من ضرره وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة وتدفعه من الدواء ولهذا أقر النبي صهيبا وهو ارمد على تناول التمرات اليسيرة وعلم أنها لا تضره ومن هذا ما يروى عن علي دخل على رسول الله وهو أرمد وبين يدي النبي تمر يأكله فقال يا علي تشتهيه ورمى إليه بتمرة ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعا ثم قال حسبك يا علي ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي عاد رجلا فقال له ما تشتهي فقال اشتهي خبز بر وفي لفظ أشتهي كعكا فقال النبي من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ثم قال إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه ،، ففي هذا الحديث سر طبي لطيف فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي وكان فيه ضرر ما كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه فإن صدق شهوته ومحبة الطبيعة يدفع ضرره وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع قد يجلب لها منه ضررا وبالجملة فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحمد الوجوه سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة وصحة القوة والله أعلم 


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day