البحث
رحلة قلب امتلأ بالعطاء!
قصة رجل سبقته روحه إلى الجنة!
من المألوف أن يُجهز المقاتلون قبل معاركهم عدتهم وعتادهم، ولكن ليس من المألوف أن يجهزوا كيف سيلقوا ربهم؟ وكيف ستنتهي حياتهم؟
ذهب عبد الله بن جحش إلى سعد بن أبي وقاص وقال له:
ألا تأتي ندعو الله تعالى في ناحية؟
فذهبا في مكان يبتعدا فيه عن أعين الناس، حتى يتسن لهم الدعوة بإخلاص.
فبدأ سعد دعاءه فقال:
يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه ، فأمن عبد الله بن جحش.
ثم بدأ عبد الله دعاءه قائلاً:
اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه ، شديدا حرده ، أقاتله فيك ويقاتلني ، فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني ، فإذا لقيتك قلت : يا عبدي ، فيم جدع أنفك وأذنك ؟
فأقول : فيك وفي رسولك ، فيقول الله تعالى : صدقت .
يقول سعد ابن أبي وقاص بعد المعركة:
كانت والله دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي ، ولقد رأيته آخر النهار وإن أذنيه ، وأنفه معلقات في خيط. (1)
استجاب الله لعبد الله دعوته ومبتغاه، ورزقه الشهادة في سبيل الله.
ثم دُفن مع خالة أسد الإسلام حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد. (2)
يدٌ تُطعم المساكين… وقلبٌ أعدَّه الله ليكون أمًّا للمؤمنين!
كان لدى هذا الرجل المفعم بالإيمان، زوجة تعالت أصوات الناس بالحديث عن الدرجة التي بلغت فيها من رقة القلب، وعلو الإيمان، والتصدق والإنفاق في سبيل الله.
حتى سُميت ( بأُم المساكين ) (3)
فكانت يد حانية تُطيب جُرح كل محتاج، وحضناً آمنا يأمن فيه قلب الأيتام.
أستودعت زينب زوجها شهيداً عند الله، وهي لا زالت شابة لم تُكمل الثلاثون عام.
ثم ذهبت لنبيها، ووكلت أمر زواجها إليه، لِتُكمل مسيرة العطاء.
فأذن الله أن تبدأ مرحلة جديدة من حياتها تنتقل فيها من كونها أماً للمساكين إلى أُمّا للمؤمنين.
تزوجها رسول الله في أفضل شهر في العام، في الشهر الذي أُنزل فيه القرآن.
فكان زواجها الميمون في أيام مُصفدة فيها أبواب النيران، ومُفتحة فيه أبواب الجنان.
ليجتمع في زواجها شرف الزمان والمكان. (4)
أخوات وهبن حياتهن للإسلام!
أم المؤمنين زينب وأخواتها كُن مثالاً حقيقياً لنساء امتلأت قلوبهن بالتضحية والإيمان، والبذل في سبيل الإسلام.
فأختها أسماء بنت عميس:
تزوجت جعفر الطيار وعندما اصطفاه الله ليكون من الشهداء، تزوجت حبيب رسول الله وخليفة المؤمنين أبي بكر الصديق، وعندما التحق بحبيبه، تزوجت خليفة المؤمنين عليّ بن أبي طالب لتُكمل معه مسيرة الدعوة إلى الله. (5)
من ينظر إلى سيرتها يتعلم كيف تهب المرأه حياتها في سبيل عزة الإسلام؟
وأختها سلمى بنت عميس:
زوجة أسد الإسلام، الرجل الذي أنزل الرعب في قلوب الكفار، عم رسول الله حمزة بن عبد المطلب. (6)
وأختها أم الفضل لبابة:
من أوائل من استضاء بنور الإيمان، فكانت من السابقين للإسلام، وكانت زوجة عم رسول الله العباس، الذي كان للإسلام حصناً حصيناً ضد الأعداء. (7)
وأختها لبابة الصغرى بنت الحارث:
أم خالد بن الوليد، الرجل الذي أرعب اسمه عروش ملوك الفرس والشام. (8)
وأختها أم المؤمنين:
ميمونة التي تزوجت رسول الله بعدها، وأصبحت أُمّا لأمة الإسلام. (9)
المشترك بينهن أنهن نساء لم يرضوا لأنفسهن بالدنيء من الأعمال، ولم يركنوا إلى دُنيا، يرتدين فيها أفخر أنواع الثياب، ويأكلوا أجود أنواع الطعام.
بل اختاروا أن يعشن حياة تتألق فيها روحهم، وهو يتنقلون بين مدارج الإيمان.
ليس بطول الأعمار… بل بصدق الإيمان!
مر الشهر والشهران، ثم أذن الله لإن تنتقل هذه الروح الطيبة التي وهبت نفسها لله، و كانت دائمة البر والإحسان، من ضيق الدنيا إلى وسع الآخرة. (4)
لترى بعينيها أنها كما وهبت زوجها في سبيل الله، كيف سيهبها الله كل ما تتمناه.
وكما كانت أمُّا حانية تعطف على الأيتام والغلمان، كيف سيعطف الله عليها ويرثها الفردوس الأعلى من الجنان.
فها هي جسدها الطاهر يودع ساكني الأرض، وروحها الطيبة تعلوا في أعالي السماء، بينما اجتمع المسلمون ليقيموا عليها الصلاه، يتقدمهم زوجها الحبيب رسول الله، يدعوا ويستغفر لها الله، لتحظى بفضيلة لم تنلها أيّا من أمهات المؤمنين بصلاه النبي عليها بعد موتها، وهو الصادق الذي لا ترد له دعوات.
أكتب عنها الآن وأشم لطائف ونسائم ويكأنها هبت عليّ من الجنان.
سبحان الله، العبد الصالح إذا مات لم يمت طيب ذكره، بل يظل أثره فواحاً يشمه كل مشتاق.
أم المؤمنين زينب علمتنا أن العبرة بالسير إلى الله ليس بطول الأعمار وكثرة الأعمال، بل بصدق النوايا ويقين الإيمان.
فاللهم ارزقنا حُبها، والجلوس معها، والأُنس بحديثها، وملاقتها في الفردوس الأعلى من الجنان.
أنت وليّ ذلك والقادر عليه.
المراجع
- كتاب صحيح السيرة النبوية - إبراهيم العلي - صفحة 217
- كتاب السيرة النبوية - ابن هشام - الجزء الثاني - صفحة 97
- أم المساكين زينب بنت خزيمة
- زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من زينب بنت خزيمة
- أسماء بنت عميس
- سلمى بنت عميس
- أم الفضل بنت الحارث
- لبابة بنت الحارث
- ميمونة بنت خزيمة