البحث
ذكر أحكام رسول الله في الطلاق
ذكر أحكام رسول الله في الطلاق
ذكر حكمه في طلاق الهازل وزائل العقل والمكره والتطليق في نفسه
في السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق وفيها عنه من حديث ابن عباس إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا ..وفيها عنه لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ..وصح عنه أنه قال للمقر بالزنى أبك جنون ..وثبت عنه أنه أمر به أن يستنكه ..وذكر البخاري في صحيحه عن علي أنه قال لعمر ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاث عن حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ .. وفي الصحيح عنه إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به هذه السنن أن ما لم ينطق به اللسان من طلاق أو عتاق أو يمين أو نذر ونحو ذلك غير لازم بالنية والقصد وهذا قول الجمهور وفي المسألة قولان آخران أحدهما التوقف فيها قال عبدالرزاق عن معمر سئل ابن سيرين عمن طلق في نفسه فقال قد علم الله ما في نفسك قال بلى قال فلا أقول فيها شيئا
والثاني وقوعه إذا جزم عليه وهذا رواية أشهب عن مالك وروي عن الزهري وحجة هذا قوله إنما الأعمال بالنيات وأن من كفر في نفسه فهو كفر وقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) (البقرة: من الآية284) البقرة 248 وأن المصر على المعصية مؤاخذ وإن لم يفعلها وبأن أعمال القلوب في الثواب والعقاب كأعمال الجوارح يثاب على الحب والبغض والموالاة والمعاداة في الله وعلى التوكل والرضى على الطاعة ويعاقب على الكبر والحسد والعجب والشك والرياء وظن السوء
ولا حجة في شيء من هذا على وقوع الطلاق والعتاق بمجرد النية من غير تلفظ أما حديث بالنيات فهو حجة عليهم لأنه أخبر فيه أن العمل مع النية هو المعتبر لا وحدها وأما من اعتقد الكفر بقلبه أو شك فهو كافر لزوال الإيمان الذي هو عقد مع الإقرار فإذا زال العقد الجازم كان نفس زواله كفرا فإن الإيمان أمر وجودي قائم بالقلب فما لم يقم بالقلب حصل ضده وهو الكفر وهذا كالعلم والجهل إذا فقد حصل الجهل وكذلك كل نقيضين زال أحدهما خلفه الآخر الآية فليس فيها أن المحاسبة بما يخفيه العبد إلزامه بأحكامه بالشرع وإنما محاسبته بما يبديه أو يخفيه ثم هو مغفور له أو معذب فأين هذا من وقوع الطلاق وأما أن المصر على المعصية فاسق مؤاخذ فهذا إنما هو فيمن عمل المعصية ثم عليها فهنا عمل اتصل به العزم على معاودته فهذا هو المصر وأما من عزم على ولم يعملها فهو بين أمرين إما أن لا تكتب عليه وإما أن تكتب له حسنة إذا لله عز وجل وأما الثواب والعقاب على أعمال القلوب فحق والقرآن والسنة مملوآن ولكن وقوع الطلاق والعتاق بالنية من غير تلفظ أمر خارج عن الثواب والعقاب ولا بين الأمرين فإن ما يعاقب عليه من أعمال القلوب هو معاص قلبية يستحق العقوبة كما يستحقه على المعاصي البدنية إذ هي منافية لعبودية القلب
فإن الكبر والرياء وظن السوء محرمات على القلب وهي أمور اختيارية يمكن اجتنابها العقوبة على فعلها وهي أسماء لمعان مسمياتها قائمة بالقلب وأما العتاق والطلاق فاسمان لمسميين قائمين باللسان أو ما ناب عنه من إشارة أو وليسا اسمين لما في القلب مجردا عن النطق وتضمنت أن المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة لزمه ما هزل به فدل ذلك أن كلام الهازل معتبر وإن لم يعتبر كلام النائم والناسي وزائل العقل والمكره بينهما أن الهازل قاصد للفظ غير مريد لحكمه وذلك ليس إليه فإنما إلى المكلف وأما ترتب مسبباتها وأحكامها فهو إلى الشارع قصده المكلف أو لم يقصده بقصده السبب اختيارا في حال عقله وتكليفه فإذا قصده رتب الشارع عليه حكمه به أو هزل وهذا بخلاف النائم والمبرسم والمجنون وزائل العقل فإنهم ليس لهم قصد صحيح وليسوا مكلفين فألفاظهم لغو بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها ولا يقصده وسر المسألة الفرق بين من قصد اللفظ وهو عالم به ولم يرد حكمه وبين من لم يقصد ولم يعلم معناه فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة إحداها أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به الثانية أن لا يقصد اللفظ ولا حكمه الثالثة أن يقصد اللفظ دون حكمه الرابعة أن يقصد اللفظ والحكم فالأوليان لغو والآخرتان معتبرتان هذا الذي استفيد مجموع نصوصه وأحكامه وعلى هذا فكلام المكره كله لغو لا عبرة به وقد دل القرآن أن من أكره على التكلم بكلمة الكفر لا يكفر ومن أكره على الإسلام لا يصير به ودلت السنة على أن الله سبحانه تجاوز عن المكره فلم يؤاخذه بما أكره عليه يراد به كلامه قطعا وأما أفعاله ففيها تفصيل فما أبيح منها بالإكراه فهو عنه كالأكل في نهار رمضان والعمل في الصلاة ولبس المخيط في الإحرام ونحو
وما لا يباح بالإكراه فهو مؤاخذ به كقتل المعصوم وإتلاف ماله وما اختلف فيه الخمر والزنى والسرقة هل يحد به أو لا فالاختلاف هل يباح ذلك بالإكراه أو لا لم يبحه حده به ومن أباحه بالإكراه لم يحده وفيه قولان للعلماء وهما روايتان الإمام أحمد والفرق بين الأقوال والأفعال في الإكراه أن الأفعال إذا وقعت لم ترتفع مفسدتها بل معها بخلاف الأقوال فإنها يمكن إلغاؤها بمنزلة أقوال النائم والمجنون فمفسدة الفعل الذي لا يباح بالإكراه ثابتة مفسدة القول فإنها إنما تثبت إذا كان قائله عالما به مختارا له وقد روى وكيع ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن خيثمة بن عبدالرحمن قال قالت امرأة لزوجها فسماها الظبية فقالت ما قلت شيئا قال فهات ما أسميك به قالت سمني خلية طالقا أنت خلية طالق فأتت عمر بن الخطاب فقالت إن زوجي طلقني فجاء زوجها فقص عليه فأوجع عمر رأسها وقال لزوجها خذ بيدها وأوجع رأسها فهذا الحكم من أمير المؤمنين بعدم الوقوع لما لم يقصد الزوج اللفظ الذي يقع به بل قصد لفظا لا يريد به الطلاق فهو كما لو قال لأمته أو غلامه إنها حرة أنها ليست بفاجرة أو قال لامرأته أنت مسرحة أو سرحتك ومراده تسريح الشعر ذلك فهذا لا يقع عتقه ولا طلاقه بينه وبين الله تعالى وإن قامت قرينة أو في الحكم لم يقع به فإن قيل فهذا من أي الأقسام فإنكم جعلتم المراتب أربعة ومعلوم أن هذا ليس بمكره زائل العقل ولا هازل ولا قاصد لحكم اللفظ قيل هذا متكلم باللفظ مريد به أحد فلزم حكم ما أراده بلفظه دون ما لم يرده فلا يلزم بما لم يرده باللفظ إذا صالحا لما أراده وقد استحلف النبي ركانة لما طلق امرأته ألبتة فقال ما أردت واحدة قال آلله قال آلله قال هو ما أردت فقبل منه في اللفظ المحتمل وقد قال مالك إذا قال أنت طالق ألبتة وهو يريد أن يحلف على ثم بدا له فترك اليمين فليست طالقا لأنه لم يرد أن يطلقها وبهذا أفتى الليث بن والإمام أحمد حتى إن أحمد في رواية عنه يقبل منه ذلك في الحكم وهذه المسألة لها ثلاث صور إحداها أن يرجع عن يمينه ولم يكن التنجيز مراده فهذه لا تطلق عليه في الحال ولا حالفا
الثانية أن يكون مقصوده اليمين لا التنجيز فيقول أنت طالق ومقصوده إن كلمت زيدا
الثالثة أن يكون مقصوده اليمين من أول كلامه ثم يرجع عن اليمين في أثناء الكلام الطلاق منجزا فهذا لا يقع به لأنه لم ينو به الإيقاع وإنما نوى به التعليق قاصرا عن وقوع المنجز فإذا نوى التنجيز بعد ذلك لم يكن قد أتى في التنجيز النية المجردة وهذا قول أصحاب أحمد وقد قال تعالى (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:225) واللغو نوعان أحدهما أن يحلف على الشيء يظنه كما حلف عليه فيتبين بخلافه والثاني تجري اليمين على لسانه من غير قصد للحلف كلا والله وبلى والله في أثناء كلامه رفع الله المؤاخذة به لعدم قصد الحالف إلى عقد اليمين وحقيقتها وهذا تشريع سبحانه لعباده ألا يرتبوا الأحكام على الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها ومعانيها وهذا غير الهازل حقيقة وحكما أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره فصح عن عمر أنه قال ليس الرجل على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته وصح عنه أن رجلا تدلى بحبل ليشتار فأتت امرأته فقالت لأقطعن الحبل أو لتطلقني فناشدها الله فأبت فطلقها فأتى عمر له ذلك فقال له ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق وكان علي لا يجيز طلاق وقال ثابت الأعرج سألت ابن عمر وابن الزبير عن طلاق المكره فقالا جميعا ليس
فإن قيل فما تصنعون بما رواه الغازي بن جبلة عن صفوان بن عمران الأصم عن رجل من رسول الله أن رجلا جلست امرأته على صدره وجعلت السكين على حلقه وقالت له أو لأذبحنك فناشدها فأبت فطلقها ثلاثا فذكر ذلك للنبي فقال لا قيلولة في رواه سعيد بن منصور في سننه وروى عطاء بن عجلان عن عكرمة عن ابن عباس عن قال كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله وروى سعيد بن منصور حدثنا فرج بن فضالة حدثني عمرو بن شراحيل المعافري أن امرأة سيفا فوضعته على بطن زوجها وقالت والله لأنفذنك أو لتطلقني فطلقها ثلاثا ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمضى طلاقها وقال علي كل الطلاق جائز إلا طلاق قيل أما خبر الغازي بن جبلة ففيه ثلاث علل إحداها ضعف صفوان بن عمرو والثانية لين بن جبلة والثالثة تدليس بقية عنه ومثل هذا لا يحتج به قال أبو محمد ابن حزم وهذا خبر في غاية السقوط وأما حديث ابن عباس كل الطلاق جائز فهو من رواية عطاء بن عجلان وضعفه مشهور وقد بالكذب قال أبو محمد بن حزم وهذا الخبر شر من الأول وأما أثر عمر فالصحيح عنه خلافه كما تقدم ولا يعلم معاصرة المعافري لعمر وفرج بن فيه ضعف وأما أثر علي فالذي رواه عنه الناس أنه كان لا يجيز طلاق المكره وروى عبدالرحمن مهدي عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان لا طلاق المكره فإن صح عنه ما ذكرتم فهو عام مخصوص بهذا
فصل
وأما طلاق السكران فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) (النساء: من الآية43) فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر لأنه لا ما يقول وصح عنه أنه أمر بالمقر بالزنى أن يستنكه ليعتبر قوله الذي أقر به يلغى وفي صحيح البخاري في قصة حمزة لما عقر بعيري علي فجاء النبي فوقف عليه يلومه فيه النظر وصوبه وهو سكران قال هل أنتم إلا عبيد لأبي فنكص النبي على عقبيه وهذا القول لو قاله غير لكان ردة وكفرا ولم يؤاخذ بذلك حمزة
وصح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال ليس لمجنون ولا سكران طلاق رواه ابن شيبة عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان عن أبيه
وقال عطاء طلاق السكران لا يجوز وقال ابن طاووس عن أبيه طلاق السكران لا يجوز وقال بن محمد لا يجوز طلاقه وصح عن عمر بن عبدالعزيز أنه أتي بسكران طلق فاستحلفه بالله الذي لا إله إلا هو طلقها وهو لا يعقل فحلف فرد إليه امرأته وضربه الحد وهو مذهب يحيى بن سعيد الأنصاري وحميد بن عبدالرحمن وربيعة والليث بن سعد بن الحسن وإسحاق بن راهويه وأبي ثور والشافعي في أحد قوليه واختاره وغيره من الشافعية ومذهب أحمد في إحدى الروايات عنه وهي التي استقر عليها وصرح برجوعه إليها فقال في رواية أبي طالب الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى واحدة والذي يأمر بالطلاق فقد أتى خصلتين حرمها وأحلها لغيره فهذا خير من هذا وأنا أتقي جميعا وقال في رواية الميموني قد كنت إن طلاق السكران يجوز حتى تبينته فغلب علي أنه لا يجوز طلاقه لأنه لو أقر لم ولو باع لم يجز بيعه قال وألزمه الجناية وما كان من غير ذلك فلا يلزمه قال بكر عبدالعزيز وبهذا أقول وهذا مذهب أهل الظاهر كلهم واختاره من الحنفية أبو الطحاوي وأبو الحسن الكرخي والذين أوقعوه لهم سبعة مآخذ أحدها أنه مكلف ولهذا يؤاخذ بجناياته والثاني أن إيقاع الطلاق عقوبة له والثالث أن ترتب الطلاق على التطليق من باب ربط الأحكام بأسبابها فلا يؤثر فيه والرابع أن الصحابة أقاموه مقام الصاحي في كلامه فإنهم قالوا إذا شرب سكر وإذا هذى وإذا هذى افترى وحد المفتري ثمانون والخامس حديث لا قيلولة في الطلاق وقد تقدم السادس حديث كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه وقد تقدم والسابع أن الصحابة أوقعوا عليه الطلاق فرواه أبو عبيد عن عمر ومعاوية ورواه غيره ابن عباس قال أبو عبيد حدثنا يزيد بن هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن عن أبي لبيد أن رجلا طلق امرأته وهو سكران فرفع إلى عمر بن الخطاب وشهد عليه ففرق عمر بينهما
قال وحدثنا ابن أبي مريم عن نافع بن يزيد عن جعفر بن ربيعة عن ابن شهاب عن سعيد المسيب أن معاوية أجاز طلاق السكران هذا جميع ما احتجوا به وليس في شيء منه حجة فأما المأخذ الأول وهو أنه مكلف فباطل إذ الإجماع منعقد على أن شرط التكليف العقل لا يعقل ما يقول فليس بمكلف وأيضا فلو كان مكلفا لوجب أن يقع طلاقه إذا كان مكرها على شربها أو غير عالم خمر وهم لا يقولون به وأما خطابه فيجب حمله على الذي يعقل الخطاب أو على الصاحي وأنه نهي عن السكر إذا الصلاة وأما من لا يعقل فلا يؤمر ولا ينهى وأما إلزامه بجناياته فمحل نزاع لا محل وفاق فقال عثمان البتي لا يلزمه عقد ولا ولا حد إلا حد الخمر فقط وهذا إحدى الروايتين عن أحمد أنه كالمجنون في كل فعل له العقل والذين اعتبروا أفعاله دون أقواله فرقوا بفرقين أحدهما أن إسقاط أفعاله ذريعة إلى القصاص إذ كل من أراد قتل غيره أو الزنى أو السرقة أو الحراب سكر وفعل ذلك عليه الحد إذا أتى جرما واحدا فإذا تضاعف جرمه بالسكر كيف يسقط عنه الحد هذا تأباه قواعد الشريعة وأصولها وقال أحمد منكرا على من قال ذلك وبعض من يرى طلاق ليس بجائز يزعم أن سكران لو جنى أو أتى حدا أو ترك الصيام أو الصلاة كان بمنزلة المبرسم والمجنون هذا كلام
والفرق الثاني أن إلغاء أقواله لا يتضمن مفسدة لأن القول المجرد من غير العاقل لا فيه بخلاف الأفعال فإن مفاسدها لا يمكن إلغاؤها إذا وقعت فإلغاء أفعاله ضرر وفساد منتشر بخلاف أقواله فإن صح هذان الفرقان بطل الإلحاق وإن لم يصحا كانت بين أقواله وأفعاله متعينة وأما المأخذ الثاني وهو أن إيقاع الطلاق به عقوبة له ففي غاية الضعف فإن الحد عقوبة وقد حصل رضي الله سبحانه من هذه العقوبة بالحد ولا عهد لنا في الشريعة بالطلاق والتفريق بين الزوجين وأما المأخذ الثالث أن إيقاع الطلاق به من ربط الأحكام بالأسباب ففي غاية الفساد فإن هذا يوجب إيقاع الطلاق ممن سكر مكرها أو جاهلا بأنها خمر وبالمجنون بل وبالنائم ثم يقال وهل ثبت لكم أن طلاق السكران سبب حتى يربط الحكم به النزاع إلا في ذلك وأما المأخذ الرابع وهو أن الصحابة جعلوه كالصاحي في قولهم إذا شرب سكر وإذا سكر فهو خبر لا يصح ألبتة
قال أبو محمد ابن حزم وهو خبر مكذوب قد نزه الله عليا وعبد بن عوف منه وفيه من المناقضة ما يدل على بطلانه فإن فيه إيجاب الحد على من والهاذي لا حد عليه
وأما المأخذ الخامس وهو حديث لا قيلولة في الطلاق فخبر لا يصح ولو صح لوجب حمله طلاق مكلف يعقل دون من لا يعقل ولهذا لم يدخل فيه طلاق المجنون والمبرسم
وأما المأخذ السادس وهو خبر كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه فمثله سواء لا يصح ولو لكان في المكلف وجواب ثالث أن السكران الذي لا يعقل إما معتوه وإما ملحق به وقد طائفة أنه معتوه وقالوا المعتوه في اللغة الذي لا عقل له ولا يدري ما يتكلم
وأما المأخذ السابع وهو أن الصحابة أوقعوا عليه الطلاق فالصحابة مختلفون في ذلك عن عثمان ما حكيناه عنه وأما أثر ابن عباس فلا يصح عنه لأنه من طريقين في أحدهما الحجاج بن أرطاة وفي إبراهيم بن أبي يحيى وأما ابن عمر ومعاوية فقد خالفهما عثمان بن عفان
فصل
وأما طلاق الإغلاق فقد قال الإمام أحمد في رواية حنبل وحديث عائشة رضي الله عنها النبي يقول لا طلاق ولا عتاق في إغلاق يعني الغضب هذا نص أحمد حكاه عنه وأبو بكر في الشافي و زاد المسافر فهذا تفسير أحمد
وقال أبو داود في سننه أظنه الغضب وترجم عليه باب الطلاق على غلط وفسره أبو عبيد بأنه الإكراه وفسره غيرهما بالجنون وقيل هو نهي عن إيقاع الطلقات الثلاث واحدة فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شيء كغلق الرهن حكاه أبو عبيد
قال شيخنا وحقيقة الإغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به انغلق عليه قصده وإرادته قلت قال أبو العباس المبرد الغلق ضيق الصدر وقلة بحيث لا يجد مخلصا قال شيخنا ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ومن زال بسكر أو غضب وكل من لا قصد له ولا معرفة له بما قال والغضب على ثلاثة أقسام أحدها ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع الثاني ما يكون في مباديه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده فهذا يقع الثالث أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث على ما فرط منه إذا زال فهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه