1. المقالات
  2. دروس وعبر من السيرة
  3. في معارك الرسول الحربية _الجزء الثاني

في معارك الرسول الحربية _الجزء الثاني

الكاتب : الدكتور/ مصطفى السباعي
20791 2008/01/23 2020/09/02
المقال مترجم الى : Indonesia 中文

 

9- غزوة الفتح :


وهي فتح مكة ، وكانت في رمضان للسنة الثامنة من الهجرة ، وسببها أن صلح الحديبية أباح لكل قبيلة عربية أن تدخل في عقد رسول الله إن شاءت ، أو تدخل في عقد قريش ، فارتضت بنو بكر أن تدخل في عقد قريش ، وارتضت خزاعة أن تدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تلك السنة ( الثامنة ) اعتدت بنو بكر على خزاعة ، فقتلت منها نحو عشرين رجلاً ،وأمدت قريش بني بكر بالمال والسلاح  فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً ، وتجهز لقتال قريش إلا أنه لم يرد أن يخبر الناس عن وجهته لئلا تستعد قريش ، فتستباح حرمه البلد الحرام ، وتمتلئ أرجاؤه بأشلاء القتلى ،

ولكن حاطب بن أبي بلتعة البدري أرسل كتاباً سرياً إلى مكة يخبرهم فيه بتوجيه الرسول اليهم ، فاطلع الله رسوله على أمر الكتاب ، فأرسل إلى المرأة التي تحمله بعض أصحابه ليفتشوها ، فعثروا على الكتاب  فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال له : ما حملك على هذا ؟ فقال : يارسول الله ، أما والله ، إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ، ولا بدلت ، ولكني كنت أمرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة . وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، فان الرجل قد نافق ، فقال له رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: " إنه شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر فقال : أعملوا ما شئتم فقد غفر لكم "


ثم سار الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشر مضين من رمضان ، وفي الطريق أفطر ، وأفطر الناس معه لما لقوا من الجهد والمشقة في سفرهم ، وكان عددهم حين خروجهم من المدينة عشر آلاف ، ثم أنضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب وفي " مر الظهران " عثر حرس رسول الله على أبي سفيان واثنين معه ، فاسروهم وجاؤوا بهم إلى  رسول الله  فأسلم أبو سفيان ، وقال العباس ـ الذي لقبه الرسول في الطريق مسلماً مهاجراً إلى المدينة ـ : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً يفتخر به ، فقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " ، ثم وصل الجيش مكة ، فاعلن منادي الرسول : من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ،ومن دخل المسجد ، فهو آمن ،ومن دخل دار أبي سفيان ، فهو آمن ، واستثنى من ذلك خمسة عشر رجلاً عظمت جريرتهم في حق الاسلام ورسوله ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب راحلته،منحن على الرحل ، حتى لتكاد جبهته تمس قتب الراحلة شكراً لله على هذا الفتح الأكبر

، ثم طاف الرسول بالبيت ، وأزال ما حولها من أصنام بلغت ثلاثمائة وستين ثم دخل الكعبة وصلى ركعتين فيها ، ثم وقف على بابها وقريش تنظر ما هو فاعل بها ، فقال فيها قاله ساعتئذ : يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم . وابن أخ كريم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم أقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل " لا تَثْرِيبَ عَلَيكُمْ اليَومْ يَغْفِرُاللهُ لَكُمْ ، وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِين ) .  [ يوسف : 92 ] . " أذهبوا فأنتم الطلقاء " .


ثم اجتمع الناس حول الصفا ليبايعوا رسول الله  على الإسلام ، فجلس الرسول على الصفا، وأخذ بيعتهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ، بايع الرجال أولاً ، ثم النساء ، ولم يصافح واحدة منهن ، وكان فيمن بايعهن هند زوجة أبي سفيان التي أهدر الرسول دمها فيمن أهدر يوم الفتح ، فلما علمها ، عفا عنها بيعتها  وفي يوم الفتح أمر رسول الله بلالاً أن يؤذن لصلاة الظهر على ظهر الكعبة ، فاستعظم ذلك الحاضرون من قريش لم يسلموا بعد ،ولكن رسول الله  أراد ذلك عمداً لسر عظيم وحكمة بالغة .

10- غزوة حنين

 وكانت في العاشر من شوال للسنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة  

 وسببها أن الله لما فتح مكة لرسوله ظن زعماء هوازن وثقيف أن رسول الله سيتوجه إليهم بعد الانتهاء من أمر مكة ، فعزموا  بالقتال ، فأمروا عليهم مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثلاثين    ، فأمرهم أن يسوقوا معهم إلى المعركة أموالهم ونساءهم وأبناءهم  ليكون ذلك أدعى إلى ثباتهم في القتال ، وقد بلغت عدتهم في هذه المعكرة المرتقبة ما بين عشرين ألفاً إلى ثلاثين ،وقد عزم رسول الله عزمه على الخروج لقتالهم . فخرج كل من كان بمكة ، الذين قدموا معه في المعركة، ومن انضم اليهم بعد ذلك ممن اسلم حديثاً وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان في حنين خرجت عليهم هوازن وحلفاؤها في غبش الصبح  ، فحمل ، فانكمشوا وأنهزموا ، فاشغل المسلمون بجمع فاستقبلهم المشركون بالسهام فانفرط عقدهم ، وفر أهل مكة الجدد ، وبقي رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً على بغلته   " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " ، وكان قد اشيع بين الناس  ان النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فألقى كثير منهم سلاحه يائساً ، ولكن نفراً من المهاجرين والأنصار ثبتوا حوله ، وأخذ العباس ، وكان جهوري الصوت ـ ينادي في المسلمين : إن رسول الله لا يزال حياً ، فعاد اليه من كان مدبراً ، وتكاثر المؤمنون حتى استطاعوا أن ينتصروا مره أخرى ، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وبلغت غنائم العدو ومبلغاً كبيراً ، وقد فرق الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم على حديثي الاسلام من أهل مكة تأليفاً لقلوبهم  ، ولم يعط منها الأنصار شيئاً اعتماداً على إيمانهم وصدق إسلامهم .


وقد نزل من القرآن في هذه المعركة :

( لَقَدْ نََصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتْكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً ، وَضَاقَتِ عَلَيْكُمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرين ، ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلى المُؤْمِنِين ، وَأنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذّبَ الذِينَ كَفَرُوا ، وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِين )

[ التوبة : 25 ] .

وكانت هذه الغزوة آخر معركة ذات شأن بين الاسلام والمشركين . لم يلبث العرب  بعدها أن كسروا الأصنام ، ودخلوا في دين الاسلام .


11-غزوة تبوك :


وتسمى غزوة العسرة ، وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة .


و ( تبوك ) موضع بين وادي القرى من أرض الحجاز وبين الشام ، وسببها أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام ضمت قبائل لخم ، وجذام ، وعاملة ، وغسان ، وهي من نصارى العرب وكان قصد هرقل من ذلك ، الهجوم على المدينة والقضاء على الدولة الناشئة في جزيرة العرب التي أخذت أخبارها وأخبار انتصاراتها تنير جزع هرقل وخوفة ، فندب رسول الله الناس للخروج ، وكان الوقت عسر شديد وحر شديد ، فانتدب المؤمنون الصادقون على طيب نفسي ، وتخلف ثلاثة منهم وهم من صادقي الإيمان ، وندب الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم الاغنياء لتجهيز جيش العسرة فجاؤوا بأموال كثيرة ، جاء أبو بكر بماله كله ، وكان أربعين ألف درهم ، وجاء عمر بنصف ماله ، وتصدق عثمان يومئذ بمال كثيرة ، وجهز ثلث الجيش ، حتى دعا له الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم " . وجاءه عدد من فقراء الصحابة لا يجدون ما يركبون عليه ، فقال لهم الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أجد ما أحملكم عليه " ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ، وتخلف من المنافقين بضعة وثمانون رجلا ، واعتذر اليه عدد من الأعراب بأعذار غير صحيحة فقبلها منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .


سار رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ومعه ثلاثون ألف مقاتل ،ومن الخيل عشرة آلاف ، وكان هذا أعظم ما رأته العرب حتى ذاك ، ثم واصل سيره حتى بلغ تبوك فأقام فيها نحواً من عشرين ليلة ، ولم يلق فيها كيداً ، ولم يدخل حرباً .


وكانت هذه آخر غزواته  رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه الغزوة نزل قول الله تبارك وتعالى : 

( لَقَد تَّابَ اللهُ عَلى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرينَ وَالأنْصَارِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلوبَ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ تَابَ عَليْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَعَلى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا ، حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَليْهمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَليْهُمْ أنْفُسَهُمْ ، وَظَنُّوا أنْ لا مَلْجَاً مِنَ اللهِ إلا إليْهِ ثُمَّ تَابَ عَليْهِمْ لِيَتُوبُوا ، إنَّ اللهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ )

[ التوبة :118 ، 119 ] .

كما أنزل آيات كثيرة تتحدث عن موقف المنافقين والمعتذرين من الأعراب في هذه الغزوة ، وفيها عتاب من الله لرسوله على قبول معذرتهم ، وهي آيات كثيرة تجدها في سورة التوبة .


 


ب  ـ الدروس والعظات


نتكلم أولاً عن مشروعية القتال في الإسلام وأسبابه وقواعده العامة .


بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بالحسنى والموعظة ، يتلو على  قومه ما يتنزل عليه من كتاب الله ويحدثهم من قبله وعقله ما يفتح  عيونهم على ما هم عليه من وثنية وخرافة وضلالة وجهل ، ولكن قومه قابلوه بالصد والسخرية أولاً ، ثم بالافتراء والأذى ثانياً ، ثم بالتآمر على قتلة أخيراً ، إلى أن هيأ الله لدعوته مكاناً تستقر فيه آمنة مطمئنة ، ولكنه واجه في مكانه الجديد قوتين على المدينة التي آمن أصحابها بدعوته أيضاً ، فغدت له قوة تتمزق لها مرائر قريش ، وقوة اليهود التي حرص النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقيم علاقة سلام  ولكن طبيعة اليهود حاقدة ماكرة متأمرة في كاد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر بالمدينة ، وتتم له زعامة المهاجرين والأنصار ، حتى شرق زعماء اليهود بالجسد والغيظ من هذه الزعامة التي نافستهم وسيطرة على المدينة سيطرة تامة .


كان الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة تتنزل عليه آيات القرآن الكريم بالصبر على ما يقولون .

( وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرا جَمِيلاً )

[ المزمل :10]

، وكان المشركون كلما تنزلت آيات الصبر على أذاهم أزدادوا في الأذى والكيد والعداوان ، ولم يكن المسلمون يومئذ قادرين على صد الاذى لقلتهم واستضعافهم ، فلما استقر النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأصبحت للمسلمين شوكة ومنعة ، واجهتهم قوة قريش وعداوتها ، وضغينة اليهود وخبثهم باحتمال العدوان عليهم في كل حين ، والاسلام دين وأقعي لا يغمض عينه عن الواقع ويتبع الأوهام والمثل العليا إزاء قوم لا يؤمنون بهذه المثل ، ولا يحترمونها ، فكان لا بد له من أن يحتمي بالقوة ، ويستعد لرد العدوان ، ويقضي على قوة الباطل وشوكته ، لينفسح المجال أمام دعوته  فللخير أعلاماً يهتدي بها ، ومنارات تضيء الطريق لمبتغي الهداية والخير والرشاد .


 لهذا كله وما يشبهه شرع الله القتال للمؤمنين  في السنة الثانية من الهجرة حين نزل الآيات التالية :

( أُذِنَ لِلذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأنَّهُمْ ظَلمُوا ، وَإنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِير ، الذِينَ أخْرُجِوا مِنْ ِديَارِهِمْ بِغَيرِ حَقٍّ إلا أنْ يَقُولوا رَبَّنَا الله ُ، وَلولا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبِعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ، وَلَيُنْصَرَنَّ اللهَ مَنْ يَنْصُرُهُ ، إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الذِينَ إنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ ِأقَامُو الصَلاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ ، وَأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ، وَنَهَوْا عَن ِالمُنْكَرِ، وَلله عَاقِبَةُ الأمُورِ )

[ الحج : 39 ـ 41 ] .


 هذه هي أولى الآيات التي نزلت في شأن القتال والإذن فيه  وجدير بنا أن نقف عندها قليلاً لنتعرف منها حكمه الاذن بالقتال وفائدته وأهدافه: ذكر في صدر الآية أنها أذن للمؤمنين بالقتال ، ويلاحظ أنه عبر عن المؤمنين بلفظ (اِلذِينَ يُقَاتِلُونَ) ومن القواعد اللغوية المعروفة أن تعليق الحكم بمشتق يفيد عليه ما منه الاشقاق ، فـ (َ يُقَاتِلُونَ ) مشتق من المقاتلة ، أي : إن هؤلاء المؤمنين الذين أذن لهم بالقتال فهذا صريح في أن العلة في الإذن لهم بالقتال وقوع الاضطهاد عليهم من قبل ، فهو بمثابة رد العدوان عنهم ، ومعاملة المثل بالمثل ،

كما في قوله تعالى :

( فَمَنِ ِاعْتَدَى عَليْكُمْ فَاعْتَدُوا  عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَليْكُمْ )

[ البقرة : 194 ]

وقوله :

( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا )

[ الشورى : 40 ] .


2- وفي الآية نفسها تصريح بأن هذا القتال الذي كانوا يقاتلون به إنما كان ظلماً وعدواناً لامسوغ له ، وذلك في قوله في الآية : (بِأنَّهُمْ ظَلمُوا) فالمؤمنون في مكة لم يكونوا ظالمين ولا متعسفين، إنما كانوا يدافعون عن عقيدة ، ويدعون قومهم إلى التحرر من الأوهام والخرافات ، ومساوئ الاخلاق .


3- وفي الآية الثانية تصريح بالحقائق التاريخية التي وقع فيها الأضطهاد ، وذلك أن هؤلاء المؤمنين الذين أذن لهم بالقتال كانوا قد أخرجوا من ديارهم ، وليس هنالك ظلم أشد من إخراج الإنسان من وطنه ، وتشريده عن أرضه .


 4- وفي الآية نفسها بيان للسبب الذي من أجله أخرج هؤلاء المؤمنون من ديارهم ، وهو أنهم خالفوا قومهم في اعتناق الوثنية  وعبادة الآلهة الباطلة ، وعبدوا الله الواحد فالقوم كانوا مضطهدين من أجل العقيدة ، لا تريد قريش أن تكون لهم حريتهم فيها .


5- وما دام المؤمنون كانوا لا يملكون حرية الاعتقاد ، فالقتال الذي شرع ، إنما هو لتأمين هذه الحرية التي هي أغلى ما يعتز به الانسان من قيم في هذه الحياة .


 6- ثم بين الله أن هذا القتال الذي شرع للمؤمنين ليست فائدته في تأمين الحرية الدينية لهم وحدهم ، بل يستفيد منها أتباع الديانات السماوية الأخرى ، وهي اليهودية والنصرانية ، فإن المسلمين كانوا يؤمئذ يقاتلون وثنيين لا دين لهم ، فإذا قويت شوكتهم استطاعوا أن يحموا أماكن العبادة لليهود والنصارى مع حمايتهم للمساجد، كي لا يستلي الوثنيون والملحدون فيحاربوا الديانات الإلهية ، ويغلقوا أماكن العبادة لها ، وذلك واضح في قوله  تعالى في تلك الآية : 

(  وَلولا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبِعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) .


 والصوامع: هي أماكن الخلوة للرهبان ، وتسمى الاديرة . والبيع : هي كنائس النصارى ، والصلوات : هي كنائس اليهود . وبذلك يتبين بوضوح أن القتال في الاسلام ليس لمحو الديانات السماوية وهدم معابدها ، بل لحماية هذه الديانات من استعلاء الملحدين والوثنين عليها ، وتمكنهم من تدميرها وإغلافها .


7- وفي الآية الثالثة تصريح بالنتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في هذا القتال المشروع ، فهي ليست استعمار الشعوب ، ولا أكل خيراتها ، ولا انتهاء ثرواتها ، ولا إذلال كراماتها ، وإنما هي نتائج في مصلحة الانسانية ولفوائد المجتمعات ، فهي :


أ- لنشر السمو الروحي في العالم عن طريق العبادة

(ِأقَامُو الصَلاةَ).


ب – ولنشر العدالة الاجتماعية بين الشعوب عن طريق الزكاة

(وآتَوُا الزَّكَاةَ) .


ج – ولتحقيق التعاون على خير المجتمع وكرامته ورقية

( وَأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ )


د- وللتعاون على مكافحة الشر والجريمة والفساد

( وَنَهَوْا عَن ِالمُنْكَرِ) .


تلك هي النتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في قتالهم مع أعدائهم ، من إقامة دولة إسلامية تعمل على سمو الروح ، و تكافل المجتمع ، ورقي الإنسان عن طريق الخير ، ومنع انحداره عن طريق الشر فأيه غاية إنسانية أنبل من هذه الغاية التي شرع من أجلها القتال في الإسلام ، واي قتال عرفته الأمم في القديم والحديث يساوي هذه الغاية في عموم الفائدة للناس جميعاً وبناء المجتمعات على ما يؤدي إلى رقيها وتطورها تطورا إنسانياً بناء ، لا رجوع فيه إلى عهد الجاهلية الأولى ، من الإباحية والأنحلال ، والالحاد ، الحروب ، وسفك الدماء كما هو شأن التطور الذي يتم في ظل هذه الحضارة الغربية المادية .


 وإذا عرفنا أهداف الاسلام وغاياته من إباحة القتال ، عرفنا معنى أن في سبيل الله ،فالجهاد في سبيل الله هو جهاد لتحقيق الخير والسلام والسمو والعدل في المجتمعات ، وسبيل الله طريقه ، والطريق إلى الله لا يكون إلا عن طريق الخير والحب والتعاون على البر والتقوى ، لا على الاثم و العدوان

 

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day