البحث
الصُّــفَّة وموقعُهَا
الصُّــفَّة وموقعُهَا:
وكانت الصفة مأموي الغرباء من المهاجرين الذين لا مأوى لهم في المدينة فيقل عددهم حيناً، ويكثر أحياناً حتى يبلغ ستمائة صحابي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجالسهم ويأنس بهم ويناديهم إلى طعامه ويشركهم في شرابه فكانوا معدودين في عياله.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يأخذ الواحد منهم الاثنين والثلاثة من أهل الصفة فيطعمهم في بيته كما كانوا يأتون بأقناء الرطب ويعلقونها في السقف الصفة ليأكلوا منها فذهب المنافقون ليفعلوا مثل فعلهم رياء فصاروا يأتون بأقناء الحشف والرطب الرديء فأنزل الله تعالى فيهم قوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ..} [البقرة: 267] ومن أشهر أهل الصفة المنقطعين فيها أبو هريرة رضي الله عنه وهذا الانقطاع مكنه من تلقي الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عن نفسه عندما سمع الناس يقولون أكثر أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما أنتم يا معشر المهاجرين فقد شغلتكم التجارة وأما أنتم يا معشر الأنصار فقد شغلتكم الحقول والمزارع وأما أنا فقد لازمت رسول الله صلى تعالى الله عليه وسلم على ملء بطني فكنت أتعلم من العلم فكيف تقولون أكثر أبو هريرة أكثر أبو هريرة؟.
وقد صور لنا أبو هريرة رضي الله عنه ما كان أهل الصفة يصبرون عليه من الجوع وشدة الحال في قصة وقعت له في يوم من الأيام: قال أبو هريرة رضي الله عنه إنه كان يمضي عليه اليوم واليومان لم يذق طعاماً وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع وجلس يوماً في طريق الذين يخرجون من المسجد لعل أحداً منهم يكشف ما به من الجوع فمر عليه الصديق فسأله أبو هريرة عن معنى آية من كتاب الله وقال ما سألته إلا لكي ينتبه لحالي فمر ولم ينتبه بعد أن أجابه عن معنى الآية ثم مر عمر بن الخطاب كذلك، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي هريرة وابتسم حين رآه وعرف ما في وجهه من الجوع ثم قال يا أبا هريرة فقال أبا هريرة لبيك يا رسول الله.
فقال: الحق. فتبعه ودخل معه في بيته فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لبناً في قدح فقال من أين هذا اللبن؟ فقالوا أهداه لك فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة فقال لبيك يا رسول الله فقال اذهب فادع أهل الصفة فقال أبو هريرة في نفسه وما يغني هذا اللبن عن أهل الصفة وضعف أمله في إصابة ما يتقوى به من ذلك اللبن. فلما دعاهم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشر سقيهم فضعف أمله أكثر لأن ساقي القوم آخرهم شرباً فسقى الجميع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعزم على كل واحد شرب بأن يزيد حتى يشبع فيقول أبو هريرة في نفسه ليته لم يعزم حتى يصل إلي ولو الشيء اليسير حتى شبع أهل الصفة جميعاً وكان عددهم في هذه الحادثة يبلغ ثلاثمائة رجل حتى وصل اللبن إلى أبي هريرة رضي الله عنه ولم ينقص شيئاً فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة بقيت أنا وأنت فاقعد واشرب فقعد أبو هريرة وشرب حتى روى فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يعزم عليه بأن يشرب حتى قال أبو هريرة والذي بعثك بالحق ما أجد مسلكاً للبن في بطني ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وسمى الله وشرب الفضلة.
إن هذا التكثير للطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذي تكرر معجزة له مرات ومرات في غزوة الخندق وغزوة تبوك وغزوة الحديبية وفي السمن الذي أهدته له أم سليم وفي قربة الماء التي زود بها نفراً من أصحابه في سرية فكانوا إذا جاعوا صبوا من القربة فوجدوا اللبن والزبد وإذا عطشوا صبوا منها فوجدوا الماء العزب فإذا ترى فيما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من تواضع في العيش؟ إنه اختيار للآخرة على الأولى.
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: لقد رأيت معي في الصفة ما يزيد على ثلاثمائة ثم رأيت بعد ذلك كل واحد منهم والياً أو أميراً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك حين مر بهم يوماً ورأى ما هم عليه.