البحث
أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه (الصديق)
أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه
الصديق
نسبه رضي الله عنه
أبو بكر العتيق الصديق رضي الله عنه
لقب عَتِيقاً لعتقه من النار وعن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أبو بكر عتيق اللّه من النار" فمن يومئذ سمي عتيقاً
قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: "إن اللّه تعالى هو الذي سمى أبا بكر على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدِّيقاً" وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولازم الصدق فلم تقع منه هِنات ولا كذبة في حال من الأحوال
وعن عائشة أنها قالت: لما أسري بالنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدِّث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبا بكر الصديق
إسلامه و مواقفه فى بداية الدعوة
ولد أبو بكر سنة 573 م بعد الفيل بثلاث سنين تقريباً، وكان رضي اللّه عنه صديقاً لرسول اللّه قبل البعث وهو أصغر منه سناً بثلاث سنوات وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته
وعندما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ووصل النبأ لأبي بكر رضي الله عنه وكان وقتها خارج في تجارته الى الطائف مع شريكه حكيم بن حزام -ابن أخي السيدة خديجة- فذهب الى بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما هذا الذي سمعته من خبرك أوتظن قومك يقرونك على ما تقول ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبا بكر ألا أذكر شيئاً إن رضيته قبلته و إن كرهته كتمته ؟
قال أبو بكر : هذا أدنى ما لك عندي
فقرأ النبي صلى الله عليه و سلم عليه القرآن وقص عليه خبر الوحي الذي نزل عليه وما كان من شأنه في غار حراء و كانت نفس أبي بكر مهيأة للتصديق بما يسره الله له من طول الصحبة و صدق المعرفة فلم يتردد أبو بكر وقال : أشهد إنك صادق و أن ما دعوت له الحق و أن هذا كلام الله
ثم رجع الى صاحبه حكيم بن حزام فقال : يا أبا خالد رد علي مالي فقد وجدت مع محمد بن عبد الله أربح من تجارتك وأخذ ماله و مضى فآزر النبي صلى اللّه عليه وسلم في نصر دين اللّه تعالى بنفسه وماله
وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر وكان تاجراً ذا ثروة طائلة، حسن المجالسة، عالماً بتعبير الرؤيا، وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو وعثمان بن عفان ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام
كان أبو بكر رضي اللّه عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محبباً فيهم مُؤلفاً لهم، وكان إذا عمل شيئاً صدقته قريش فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم من الصحابة على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزُّبَير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللّه
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كَبْوَة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه ما عَلَمَ عنه حين ذكرته له" أي أنه بادر به
ودفع أبو بكر عقبة بن أبي معيط عن رسول اللّه لما خنق رسول اللّه وهو يصلي عند الكعبة خنقاً شديداً وقال:أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات من ربكم ؟
أول خطيب فى الاسلام
وقد أصاب أبا بكر من إيذاء قريش شيء كثير. فمن ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دخل دار الأرقم ليعبد اللّه ومن معه من أصحابه سراً ألح أبو بكر رضي اللّه عنه في الظهور،
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: يا أبا بكر إنا قليل فلم يزل به حتى خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضي اللّه عنهم وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ودعا إلى الله و الى رسول اللّه، فهو أول خطيب دعا إلى اللّه تعالى
فثار المشركون على أبي بكر رضي اللّه عنه وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضرباً شديداً ووُطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضرباً شديداً وصار عُتْبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه،
فجاءت بنو تيم يتعادَون فأجْلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزله ولا يشكُّون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: واللّه لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار،
ثم تكلم وقال: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فلاموه فصار يكرر ذلك
فقالت أمه: واللّه ما لي علم بصاحبك
فقال: اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه وخرجت إليها وسألتها عن محمد بن عبد اللّه،
فقالت: لا أعرف محمداً ولا أبا بكر ثم قالت: تريدين أن أخرج معك؟
قالت: نعم فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته صريعاً
فصاحت وقالت: إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم اللّه منهم،
فقال لها أبو بكر رضي اللّه عنه: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟
فقالت: هذه أمك،
قال: فلا عَيْنَ عليك منها أي أنها لا تفشي سرك
قالت: سالم هو في دار الأرقم
فقال: واللّه لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
قالت أمه: فأمهلناه
حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليَّ حتى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرقَّ له رقة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برة بولدها فعسى اللّه أن يستنقذها من النار، فدعا لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت
ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر أبو بكر إلى الحبشة مع المسلمين بل بقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تاركاً عياله وأولاده
هجرته مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
أقام مع رسول الله في الغار ثلاثة أيام؛ قال اللّه تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}
ولما كانت الهجرة جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه،
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد أذن لي في الخروج
قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح،
ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام وأن رسول اللّه لولا ثقته التامة بأبي بكر لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه وكل من سوى أبي بكر فارق رسول اللّه، وإن اللّه تعالى سماه {ثاني اثنين}
قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت: هل قلت في أبي بكر شيئاً؟
فقال: نعم
فقال: قل وأنا أسمع
فقال
طاف العدوّ به إذ صعَّد الجبلا وثاني اثنين في الغار المنيف وقد
من البرية لم يعدل به رجلاً وكان حِبِّ رسول اللّه قد علموا
فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: صدقت يا حسان هو كما قلت
جهاده بنفسه و ماله
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة، وشهد مع رسول اللّه بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان بالحُدَيبية وخيبر وفتح مكة وحُنَيناً والطائف وتَبوك وحَجة الوداع ودفع رسول اللّه رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أُحد وحين ولَّى الناس يوم حنين وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله
وأعتق أبو بكر سبعة ممن كانوا يعذبون في اللّه تعالى وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم عُبيس
وكان أبو بكر إذا مُدح قال: اللّهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم اللّهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون
قال عمر رضي اللّه عنه: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي
فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي
فقال: ما أبقيت لأهلك؟
قلت: مثله
وجاء أبو بكر بكل ما عنده فقال: يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟
قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله
قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً
وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما نفعني مال أحد قطُّ ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول اللّه
ونزل فيه وفي عمر: {وَشَاوِرْهم في الأمر} فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها
مكانته عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً - رواه البخاري ومسلم
عن عمرو بن العاص: أن النبي عليه السلام بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
فقال: عائشة
فقلت: من الرجال؟
فقال: أبوها
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أما صاحبكم فقد غامر
فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي فأقبلت إليك
فقال :يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ،
ثم إن عمر ندم ، فأتى منزل أبي بكر ، فسأل : أثم أبو بكر
فقالوا : لا
فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم ، فجعل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمعر ، حتى أشفق أبو بكر ، فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم مرتين
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها
فضائله رضى الله عنه
وعن أبي هريرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائماً؟
قال أبو بكر: أنا
قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر: أنا
قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟
قال أبو بكر: أنا
قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟
قال أبو بكر: أنا
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : صعد النبي صلى اللّه عليه وسلم أحداً وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم فقال النبي عليه السلام: اثبت أحد فإن عليك نبي وصديق وشهيدان
وعن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر- رواه الترمذي
وعن ابن عمر: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر: أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار - رواه الترمذي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أنفق زوجين من شئ من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب -يعني الجنة- يا عبد الله هذا خيرٌ فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد و من كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام و باب الريان
فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة وقال : هل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟
قال : نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الدرجات العلى ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء و ان أبا بكر و عمر منهم و أنعما
خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و قال : إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا و بين ما عند الله فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجب المسلمون لبكائه فلقد علم أبو بكر ان العبد الذي يقصده رسول الله صلى الله عليه و سلم هو نفسه فبكى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أمن الناس على في صحبته و ماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لأتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام و مودته لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر
أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيستقي لها ويقوم بأمرها فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا الذي يأتيها هو أبو بكر الصديق، وهو خليفة فقال عمر: أنت هو لعمري
الله عز و جل أنزل فيه قرآناً رضي اللّه عنه
في حديث الإفك قال الله عز و جل : وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ سورة النور - الآية 22
ونزلت حينما أراد الصديق رضي الله ان يمنع ما ينفقه على مسطح بن أثاثة بعد الذي قاله في السيدة عائشة رضي الله عنها
قال اللّه تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ سورة التوبة الآية 40
ونزلت عندما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة
كما نزل فيه رضي الله عنه قوله تعالى : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى سورة الليل الآيات 17 الى 21
ورعه رضي اللّه عنه
قالت عائشة رضي الله عنها : كان لابي غلام يخرج له الخراج و كان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً
بشئ فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام : أتدري ما هذا
قال أبو بكر : و ما هو ؟
قال : تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك فذا هو الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شئ في بطنه
تواضعه رضي اللّه عنه
قال الصديق : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
قال هذا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المسند من وجهين عن النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم وُزن بالامة فرجح ثم وُزن أبو بكر بالأمة فرجح ثم وُزن عمر بلأمة فرجح
حياؤه رضي اللّه عنه
خطب الصديق في الناس يوماً فقال : أيها الناس استحيوا من الله فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد الغائط إلا و أنا مقنع رأسي حياء من الله
أدبه رضي اللّه عنه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
لما مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم وأم أبو بكر الناس في الصلاة فلما أحس بقدوم النبي صلى الله عليه و سلم ما استطاع ان يتقدم بين يديه أدباً منه و قال : ما كان ينبغي لإبن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثباته عند موت النبي صلى الله عليه و سلم
ولأبي بكر رضي الله عنه موقف تاريخي لا يُنسى عند وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما قال سيدنا عمر رضي الله عنه : إن رجالاً من المنافقين يزعمون ان رسول الله مات و انه والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه و سلم فليقطعن أيدي رجال زعموا انه مات
وأقبل أبو بكر و دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فكشف عن وجهه ثم قبله و قال : بأبي أنت وأمي طبت حياً و ميتاً ان الموته التي قد كتبها الله عليك قدمتها ثم رد الثوب على وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خرج و أقبل على الناس يكلمهم فأقبلوا عليه منصتين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ آل عمران الآية 144
خلافته رضي الله عنه
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ، وبعد أن تمت بيعة أبي بكر بيعة عامة، صعد المنبر
وقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: أيها الناس قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكَذِب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء اللّه تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم اللّه بالذل، أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم اللّه
فيا لها من كلمات جامعة حوت الصراحة والعدل، مع التواضع والفضل، والحث على الجهاد لنصرة الدين، وإعلاء شأن المسلمين.
دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له : يا عمر لا حاجة لي في امارتكم
فرد عليه عمر : أين المفر ؟
والله لا نقيلك ولا نستقيلك
جيش أسامة
وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا : يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟
فقال : والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله
فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم
فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام
حروب الردة
بعد وفـاة الرسـول صلى الله عليه وسلم أرتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ؟
فقال أبو بكر : الزكاة حقُّ المال
وقال : والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَقالاً كانوا يُؤدّونه الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه
ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين
جيوش العراق والشام
ولمّا فرغ أبو بكر رضي الله عنه من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتاً على الإسلام
استخلاف عمر
عقد أبو بكر في مرضه الذي توفي فيه لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده، ولما أراد العقد له دعا عبد الرحمن بن عوف
فقال: أخبرني عن عمر
فقال: يا خليفة رسول اللّه هو واللّه أفضل من رأيك فيه من رجل، ولكن فيه غلظة
فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء، أراني الرضا عنه، وإذا لنت أراني الشدة عليه، لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئاً قال: نعم ودخل على أبي بكر طلحة بن عبيد اللّه
فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك ؟ فقال أبو بكر وكان مضطجعاً: أجلسوني فأجلسوه فقال لطلحة: أباللّه تفرقني أو باللّه تخوفني، إذا لقيت اللّه ربي فساءلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك ؟
وأشرف أبو بكر على الناس من حظيرته وأسماء بنت عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول: أترضون بمن أستخلف عليكم فإني واللّه ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فقالوا: سمعنا وأطعنا
دعا أبو بكر عثمان خالياً فقال له: اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به أبو بكر ابن أبي قحافة إلى المسلمين أما بعد ثم أغمي عليه فذهب عنه
فكتب عثمان: أما بعد فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً
ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ عليَّ فقرأ عليه فكبَّر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي قال: نعم قال: جزاك اللّه خيراً عن الإسلام وأهله
وأقرها أبو بكر رضي اللّه عنه من هذا الموضع فأبو بكر كان يرى ويعتقد أن عمر بن الخطاب خير من يتولى الخلافة بعده مع شدته والحقيقة أنه كان كذلك
وفاته رضي الله عنه
قيل: إنه اغتسل وكان يوماً بارداً فاصابته الحمى خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة فأمر عمر أن يصلي بالناس ولما مرض قال له الناس: ألا ندعو الطبيب؟
فقال: أتاني وقال لي: أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده وسكتوا عنه ثم مات
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وابنه عبد الرحمن وأن يكفن في ثوبيه ويشتري معهما ثوب ثالث وقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة والصَّديد
قال ابن أسحاق : توفي أبو بكر يوم رضي الله عنه يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة و صلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أقوال الصحابة فيه رضي اللّه عنه و عنهم أجمعين
قال عمر رضي الله عنه : أبو بكر سيدنا و أعتق سيدنا يعني بلالاً
وقال رضي الله عنه ايضاً : لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتقدم قوماً فيهم أبو بكر
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : كنا نخير بين الناس في زمن النبي رضي الله عنه فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان رضي الله عنهم
و عن محمد بن الحنيفة قلت لأبي -علي بن أبي طالب- : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : أبو بكر
قلت : ثم من ؟
قال : ثم عمر
من كلماته رضي اللّه عنه
طوبى لك يا طير تأكل الشجر و تستظل بالشجر و تصير الى غير حساب يا ليت أبا بكر مثلك
اللهم أنت أعلم مني بنفسي وأنا أعلم بنفسي منهم -يقصد من يمدحونه- اللهم أجعلني خيراً مما يظنون وأغفر لي ما لا يعلمون و لا تؤاخذني بما يقولون
رحم الله سيدنا أبا بكر و جمعه بحبيبه و صاحبه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في الفردوس الأعلى من الجنة إن شاء الله تعالى