البحث
رعاية جده و توسميه له بالخير
رعاية جده و توسميه له بالخير
هذا ، وتولى عبد المطلب بن هاشم جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رعاية حفيده و سماه محمداً . متوسماً به الخير، وكان يعتقد حسب مصادر الحديث _ بأنه سيكون له شأن . يقول توماس كارليل متحدثاً عن مولده وتوسم الخير به :
(( وكان بين هؤلاء العرب التي تلك حالهم ، أن ولد الرجل محمد (عليه السلام ) عام 570 ميلادي ، وكان من أسرة بني هاشم من قبيلة قريش ، وقد مات أبوه قبل مولده، ولما بلغ عمره ستة أعوام توفيت أمه ، وكان لها شهرة بالجمال والفضل والعقل ، فقام عليه جده الشيخ الذي كان ناهز المائه من عمر، وكان صالحاً بارا وكان ابنه عبد الله أحب أولاده إليه ، فأبصرت عينه الهرمة في محمد صورة عبد الله فأحب اليتيم الصغير بملء قلبه ، وكان يقول : (( ينبغي أن يحسن القيام على ذلك الصبي الجميل الذي قد فاق سائر الأسرة والقبيلة حسناً وفضلاً )) .
و تتحدث كتب السيرة الإسلامية ، أن جده كان يعتقد بأن محمداً سيكون نبي العرب ، ولم يكن هذا مستغرباً ، في تلك المرحلة التي تنتظر ولادة تاريخية جديدة ، ويقول الكاتب جيورجيو في دراسته حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستدلال معاصريه بأنه سيكون الرسول المرتقب :
(( والأمر المسلم به أن العرب - في الماضي - لم يدهشوا من ولادة نبي ، لأن مثل هذا الأمر حصل في بعض أنحاء جزيرتهم قبلاً . حتى آمنة ، لم يبد عليهاً العجب ، فقد روي أنها سمعت أن ابنها نبي ، فلم تندهش لهذه البشرى ، لأن أرض العرب ، لم تكن أرضاً منجبة للأنبياء وحسب ، بل كانت مهاداً لأفراد خاطبوا الله تعالى ، بل إن كل أنبياء الجزيرة خاطبوا ربهم )) .
وتابع قوله :
(( ففي شبه الجزيرة العربية المترامية الأطراف ، خلافاً للأقطار الأخرى ، وصحرائها التي لا يعترضها حاجز . . . ترى البصر يمتد إلى اللانهاية من كل طرف ، صحراء ممتدة الأرجاء ، وسماء لا نهاية لها . . . ولهذا فليس فيها ما يمنع إمكانية معرفة الله وملائكته . ولم تكن مصادفة الخالق في هذه الصحراء الواسعة حالة استثنائية نادرة ، كما لم تكن ولادة نبي فيها خارقة للعادة.
ويروي بالإضافة إلى آمنة _ إذ أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم جميعاً علموا أن هذا الطفل نبي . ومع هذا فإنهم لم ينظروا إليه نظرة أعجاب ، كما لم تختلف رعايتهم له عن رعاية غيره من أطفال قريش. ربما كانت نظرتهم لم إلى ولادة النبي عادية ، لأن المهم في الأمر أن هذا النبي في النهاية يستطيع أن يؤدى رسالته التي سيتلقاها )) .
كفالة عمه إياه
وحين توفى جد الرسول صلى الله عليه وسلم عبد المطلب وهو في الثامنة من عمره ، كفله عمه أبو طالب رأس أسرة بنى هاشم بعد أبيه ، فأحسن تربيته ، وسافر معه إلى الشام في بعض رحلاته التجارية ، فالتقي النبي محمدصلي الله عليه وسلم وهو في الثانية عشر من عمره بالراهب ( بحيرا ) واسمه جرجيس ، في بصرى الشام ، و توسم هذا الأخير به علامات النبوة . . . ولقد أوصي بحيرا الراهب أبا طالب أن يعني بابن أخيه لأنه سيكون النبي المرتقب وحذره من خطر اليهود . . .
رحلته الأولى إلى بلاد الشام ولقاؤه ببحرا الراهب
تقول كتب السيرة والحديث ، أن بحيرا الراهب حين رأى رسول الله قال وهو آخذ بيده :
(( هذا هو سيد المرسلين ، هذا سيد العالين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ، فقيل له وما علمك بذلك فقال : أنكم حين أشرفتم به من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ، ولا يسجدان إلا لنبي ، و أني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة و أنا نجده في كتبنا ، وسأل أبا طالب أن يرده خوفاً عليه من اليود )) .
ولقد بحث الكاتب الإنكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول ببحيرا الراهب ، وما كان لهذا اللقاء من أثر على توجيه للتفكر في قضايا الحياة والخلق . . . وقد رد كارليل في كتابه الأبطال على تلك المزاعم التي تقول إن ذلك الراهب قد لقنه العلم و انه وراء النبوة التي أنزلت على النبي محمدصلي الله عليه وسلم يقول :
« ولما شب محمد وترعرع ، صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه ، وفي الثامنة عشر من عمره نراه فارساً مقاتلاً يتبع عمه في الحروب ، غير أن أهم أسفاره ربما كان ذاك الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين ، رحلة إلى مشارف الشام ، إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الأهمية جداً في نظره ، أعنى الديانة المسيحية . واني لست أدري ماذا أقول عن ذلك الراهب سرجياس (بحيرا ) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار ، ولا ماذا عساه أن يتعلمه غلام في هذه السن الصغيرة من أي راهب ما ، فإن محمداً لم يكن يتجاوز إذ ذاك الرابعة عشر ، ولم يكن يعرف إلا لغته ، ولا شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إلا خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ولا يفهمها . ولكن الغلام كان له عينان ثاقبتان ، ولا بد من أن يكون قد انطبع على لوح فؤاده أمور وشؤون فأقامت في ثنايا ضميره ، ولو غير مفهومة ريثما ينضجها له كر الغداة ومر العشي ، وتحلها له يد الزمان يوماً ما ، فتخرج منها أراء وعقائد ونظرات نافذات ، فلعل هذه الرحلة الشامية كانت لحمد أوائل خير كثير وفوائد جمة )) .
الرحلة الثانية إلى بلاد الشام
ولم تكن رحلته إلى الشام برفقة عمه هي الوحيدة ، بل كانت رحلته الثانية وهو ابن عشرين عاماً، التماساً للرزق على ما درج عليه المكيون في العمل بالتجارة » يقول آتيين دينيه :
(( كانت حالة أغلب المكيين - كأبي طالب - تضطرهم إلى التجارة ، فإقليمهم من أشد الأقاليم جدباً ، ولذلك لم يكن من الممكن لقاطنيه أن يعيشوا إلا بالتعامل مع اليمن وسورية ، اللذين تربط بينهما مكة ، فكانت قوافلها تذهب إلى اليمن الذي أطلق عليه "الإقليم العربي السعيد " للبحث عن منتجاته والمنتجات التي تصل إليه عن طريق البحر، فيبتاعون مما تنتج الحبشة والهند والصين ، من التوابل والعطر والبخور ، والتبر، والحرير ، وفي عودتهم إلى الحجاز يضيفون إلى ذلك تمر يثرب أو الطائف . . ثم يذهبون بعد ذلك إلى سورية ليستبدلوا ببضائعهم منتجاتهم الزراعية : كالقمح ، والشعير ، والأرز ، والتين ، والزبيب ، يضاف إليها ما يوجد في سورية مما يصدره إليها اليونان والرومان . ولم تكن النساء بمعزل عن هذا النوع من التجارة : فقد كن يخترن من يخرج في مالهن للاتجار في مقابل جزء من الربح . هكذا كانت تفعل خديجة بنت خويلد ذات الثراء الواسع ، والحسب النبيل . وفي ذات يوم أرسلت إلى محمد – وقد كانت تسمع بما له من عقل متزن ، وأمانة وإخلاص - فعرضت عليه أن يسير على رأس تجارتها إلى الشام <، وأن تمنحه في مقابل ذلك ضعف ما كانت تمنح عادة لغيره )) .
خبر لقاءه مع نسطور الراهب
و تتحدث كتب السيرة أيضاً عن لقاءه ، بحيرا الراهب ، وفي كتب أخرى مع نسطور الراهب ، وكيف أنه جلس في ظل شجرة ، وأنه في الرواية الأولى قال بحيرا الراهب لأبي بكر : (( هذا والله نبي ما استظل تحت ظلها بعد عيس إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، بين كان تعليق نسطور : (( ما نزل تحت ظل هذه الشجرة بعد عيس إلا نبي )) .
,