البحث
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال : 64 )
ونداءات رب العالمين للنبي خاتم المرسلين بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... ) وردت في الذكر الحكيم في 13 آية ؛ وبقوله جل جلاله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ...) في آيتين 2 ..
وَهَذَا تَفْسيِرُهذه الآيَاتِ الْمُبَارَكَاتِ مِنْ كُتُبِ نُخْبَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ رَحِمَهُمُ الله
1* ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال : 64 )
الآية: 64 { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
ليس هذا تكريرا، فإنه قال فيما سبق: " (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال : 62 ) " وهذه كفاية خاصة. وفي قوله: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ " أراد التعميم، أي حسبك الله في كل حال.. وقال ابن عباس: نزلت في إسلام عمر فإن النبي كان أسلم معه ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة، فأسلم عمر وصاروا أربعين. والآية مكية، كتبت بأمر رسول الله رضي الله عنه في سورة مدنية، ذكره القشيري.قلت: ما ذكره من إسلام عمر رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقد وقع في السيرة خلافه. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه"... وكان إسلام عمر بعه خروج من خرج من أصحاب رسول الله إلى الحبشة. قال ابن إسحاق: وكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا أو وُلدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلا، إن كان عمار بن ياسر منهم. وهو يشك فيه. وقال الكلبي: نزلت الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.
قوله تعالى: " وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " قيل: المعنى حسبك الله، وحسبك المهاجرون والأنصار. وقيل: المعنى كافيك الله، وكافي من تبعك، قال الشعبي وابن زيد. والأول عن الحسن. واختاره النحاس وغيره. فـ "من" على القول الأول في موضع رفع، عطفا على اسم الله تعالى. على معنى: فإن حسبك الله وأتباعك من المؤمنين. وعلى الثاني على إضمار. ومثله قوله : (يكفينيه الله وأبناء قيلة). وقيل: يجوز أن يكون المعنى " وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " حسبهم الله، فيضمر الخبر. ويجوز أن يكون "من" في موضع نصب، على معنى: يكفيك الله ويكفي من اتبعك. اهـ...
وقال السعدي رحمه الله :
" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ " أي : كافيك" وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، وهذا وعد من الله ، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية ، والنصرة على الأعداء . فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع ، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها..
وقال الشنقيطي رحمه الله :
قوله تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}.
قال بعض العلماء: إن قوله: {وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ} في محل رفع بالعطف على اسم الجلالة، أي حسبك الله، وحسبك أيضاً من اتبعك من المؤمنين. وممن قال بهذا الحسن، واختاره النحاس وغيره، كما نقله القرطبي، وقال بعض العلماء: هو في محل خفض بالعطف على الضمير الذي هو الكاف في قوله: {حَسْبَكَ} وعليه، فالمعنى حسبك الله أي كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين، وبهذا قال الشعبي، وابن زيد وغيرهما، وصدر به صاحب الكشاف، واقتصر عليه ابن كثير وغيره، والآيات القرآنية تدل على تعيين الوجه الأخير، وأن المعنى كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين لدلالة الاستقراء في القرآن على أن الحسب والكفاية لله وحده، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ} ، فجعل الإيتاء لله ورسوله، كما قال: {وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ، وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعل الحسب مختصاً به... وقال: {أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ؟ فخص الكفاية التي هي الحسب به وحده، وتمدح تعالى بذلك في قوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، وقال تعالى: {وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ} ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده. وقد أثنى سبحانه وتعالى على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} وقال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ} . إلى غير ذلك من الآيات، فإن قيل: هذا الوجه الذي دل عليه القرآن، فيه أن العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، ضعفه غير واحد من علماء العربية، قال ابن مالك في (الخلاصة):
وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا
فالجواب من أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن جماعة من علماء العربية صححوا جواز العطف من غير إعادة الخافض، قال ابن مالك في (الخلاصة): وليس عندي لازماً إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا
الوجه الثاني: أنه من العطف على المحل، لأن الكاف مخفوض في محل نصب، إذ معنى {حَسْبَكَ} يكفيك، قال في (الخلاصة): وجر ما يتبع ما جر ومــن راعى في الاتباع المحل فحسن
الوجه الثالث: نصبه بكونه مفعولاً معه، على تقدير ضعف وجه العطف، كما قال في (الخلاصة):
العطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق
الوجه الرابع: أن يكون {وَمِنْ} مبتدأ خبره محذوف، أي {وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} فحسبهم الله أيضاً، فيكون من عطف الجملة، والعلم عند الله تعالى.
قلت : وهذه الكفاية وردت في قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) (الزمر : 36 ) = قال الطبري رحمه الله:
-القول فـي تأويـل قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )... اختلفت القرّاء في قراءة: (ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عَبْدَهُ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة: «ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عِبادَهُ» على الجماع, بمعنى: أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء ؟ وقرأ عامة قرّاء المدينة والبصرة, وبعض قرّاء الكوفة: (بكافَِ عَبْدَهُ) على التوحيد, بمعنى: أليس الله بكاف عبده محمدا.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرَاءةِ الأمصار. فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَما واستفاضة القراءة بهما في قرَاءةِ الأمصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: - حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السدّيّ( ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عِبدَهُ) يقول: محمد . - حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله:( ألَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبدَهُ) قال: بلى, والله ليكفينه الله ويعزّه وينصره كما وعده..اهـ.