البحث
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .....) (الأحزاب :
تحت قسم :
رسول الله في القرآن
16263
2007/11/12
2024/12/08
5*(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً) ) (الأحزاب : 1-3 )
قال الفخر الرازي رحمه الله :
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّاتَّقِ اللَّهَ }. في تفسير الآية مسائل: الأولى: في الفرق بين النداء والمنادى بقوله يا رجل ويا أيها الرجل، وقد قيل فيه ما قيل ونحن نقول قول القائل يا رجل يدل على النداء وقوله يا أيها الرجل يدل على ذلك أيضا وينبيء عن خطر خطب المنادي له أو غفلة المنادى أما الثاني: فمذكور... وأما الأول: فلأن قوله:(يَا أَيُّهَا) جعل المنادَى غير معلوم أوَّلاً فيكون كل سامع متطلِّعا إلى المنادي فإذا خص واحدا كان في ذلك إنباء الكل لتطلعهم إليه، وإذا قال يا زيد أو يا رجل لا يَلتفِت إلى جانب المنادي إلا المذكور... إذا علم هذا فنقول { أيها } لا يجوز حمله على غفلة النبـي لأن قوله {النبى } ينافي الغفلة لأن النبـي خبير فلا يكون غافلا فيجب حمله على خطر الخطب. المسألة الثانية: الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس وللساكت اسكت والنبـي كان متقيا فما الوجه فيه؟ نقول فيه وجهان: احدهما: منقول وهو أنه أمر بالمداومة فإنه يصح أن يقول القائل للجالس اجلس ههنا إلى أن أجيئك، ويقول القائل للساكت قد أصبت فاسكت تسلم، أي دُم على ما أنت عليه والثاني: وهو معقول لطيف، وهو أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه : بعضهم يخاف من عقابه ؛ وبعضهم يخاف من قطع ثوابه ؛ وثالث يخاف من احتجابه. فالنبـي لم يؤمر بالتقوى بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا. وكيف والأمور الدنيوية شاغلة والآدمي في الدنيا تارة مع الله، وأخرى مقبل على ما لابد منه، وإن كان معه الله وإلى هذا إشارة بقوله تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف : 110 ) وبقوله (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ) (فصلت: 6) يعني يرفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فالأمر بالتقوى يوجب استدامة الحضور الوجه الثاني: هو أن النبـي كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركا للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة فقوله: { اتَّقِ اللَّهَ } على هذا أمر بما ليس فيه وإلى هذا أشار بقوله: «من استوى يوماه فهو مغبون» ولأنه طلب من ربه بأمر الله إياه به زيادة العلم حيث قال: _(وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه : 114 ) وأيضا إلى هذا وقعت الإشارة بقوله : «إنه ليغان على قلبـي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» يعني يتجدد له مقام يقول الذي أتيت به من الشكر والعبادة لم يكن شيئا، إذا علم هذا فالنبـي بحكم { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } (الكهف : 110 ) +(فصلت: 6) كان قد وقع له خوف ما يسير من جهة ألسنة الكفار والمنافقين ومن أيديهم بدليل قوله تعالى: {َتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } (الأحزاب: 37) فأمره الله بتقوى أخرى فوق ما يتقيه بحيث تنسيه الخلق ولا يريد إلا الحق وزاد الله به درجته فكان ذلك بشارة له، في { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } أنت ما بقيت في الدرجة التي يقنع منك بتقوى، مثل تقوى الآحاد أو تقوى الأوتاد بل لا يقنع منك إلا بتقوى تنسيك نفسك ألا ترى أن الإنسان إذا كان يخاف فوت مال إن هجم عليه غاشم يقصد قتله يذهل عن المال ويهرب ويتركه، فكذلك النبـي أمر بمثل هذه التقوى ومع هذه التقوى لا يبقى الخوف من أحد غير الله ... وخرج هذا مخرج قول القائل لمن يخاف زيد أو عمرا خف عمرا فإن زيدا لا يقدر عليك إذا كان عمرو معك فلا يكون ذلك أمرا بالخوف من عمرو فإنه يخاف وإنما يكون ذلك نهيا عن الخوف من زيد في ضمن الأمر بزيادة الخوف من عمرو حتى ينسيه زيدا. ثم قوله تعالى: { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } يقرر قولنا أي اتق الله تقوى تمنعك من طاعتهم. المسألة الثالثة: لِمَ خَصَّ الكافرين والمنافقين بالذكر مع أن النبـي ينبغي أن لا يطيع أحدا غير الله؟ نقول لوجهين أحدهما: أن ذكر الغير لا حاجة إليه لأن غيرهما لا يطلب من النبـي الاتباع، ولا يتوقع أن يصير النبـي مطيعا له بل يقصد اتباعه ولا يكون عنده إلا مطاعا والثاني: هو أنه تعالى لما قال: { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } منعه من طاعة الكل لأن كل من طلب من النبـي طاعته فهو كافر أو منافق لأن من يأمر النبـي بأمرٍ أمرَ إيجاب، معتقدا على أنه لو لم يفعله يعاقبه بحق ؛ يكون كافرا. ثم قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } إشارة إلى أنّ التقوى ينبغي أنْ تكون عن صميم قلبك لا تُخفي في نفسك تقوى غير الله كما يفعله الذي يرى من نفسه الشجاعة حيث يخاف في نفسه ويتجلد، فإن التقوى من الله وهوعليم، وقوله: { حَكِيماً } إشارة إلى دفع وهم متوهم وهو أن متوهما لو قال إذا قال الله شيئا وقال جميع الكافرين والمنافقين مع أنهم أقارب النبـي شيئا آخر ورأوا المصلحة فيه وذكروا وجها معقولا فاتباعهم لا يكون إلا مصلحة فقال الله تعالى إنه حكيم ولا تكون المصلحة إلى في قول الحكيم، فإذا أمرك الله بشيء فاتبعه ولو منعك أهل العالم عنه.
{ وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً} يقرر ما ذكرنا من أنه حكيم فاتباعه هو الواجب، ثم قال تعالى: { إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } لما قال إنه عليم بما في قلوب العباد بيَّن أنه عالم خبير بأعمالكم فسووا قلوبكم وأصلحوا أعمالكم. ثم قال تعالى: { وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً } يعني اتق الله وإن توهمت من أحد فتوكل على الله فإنه كفى به دافعا ينفع ولا يضر معه شيء وإن ضر لا ينفع معه شيء...
قال ابن كثير رحمه الله :
قوله تعالى : (يَا أَيّهَا النّبِيّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً)
هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى, فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا, فلَأن يأتمِر مَن دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. وقد قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله, ترجو ثواب الله, وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله: { وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي لا تسمع منهم ولا تستشرهم { إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه, فإنه عليم بعواقب الأمور, حكيم في أقواله وأفعاله, ولهذا قال تعالى: { وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ } أي من قرآن وسنة { إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي فلا تخفى عليه خافية, {وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ}, أي في جميع أمورك وأحوالك { وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً } أي وكفى به وكيلا لمن توكل عليه وأناب إِليه....
هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى, فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا, فلَأن يأتمِر مَن دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. وقد قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله, ترجو ثواب الله, وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله: { وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي لا تسمع منهم ولا تستشرهم { إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه, فإنه عليم بعواقب الأمور, حكيم في أقواله وأفعاله, ولهذا قال تعالى: { وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ } أي من قرآن وسنة { إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي فلا تخفى عليه خافية, {وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ}, أي في جميع أمورك وأحوالك { وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً } أي وكفى به وكيلا لمن توكل عليه وأناب إِليه....
وقال السعدي رحمه الله :
قوله تعالى : (يَا أَيّهَا النّبِيّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكّلْ عَلَىَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً)
أي : يا أيها الذي مَنَّ اللهُ عليه بالنبوة ، واختصَّه بوحْيه وفضَّله على سائر الخلق . اشكر نعمة ربك عليك ، باستعمال تقواه التي أنت أولى بها من غيرك ، والتي يجب عليك منها أعظم من سواك ، فامتثل أوامره ونواهيه ، وبلغ رسالاته ، وأدِّ إلى عبادِه وحيَه ، وابذُل النصيحةَ للخلق . ولا يصدنَّك عن هذا المقصود صادٌّ ، ولا يردك عنه رادٌّ . فلا تطع كل كافر ، قد أظهر العداوة لله ولرسوله ، ولا منافق ، قد أبطَن التكذيب والكفر ، وأظهَر ضِدَّه . فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة ، فلا تطعهم في بعض الأمور ، التي تنقض التقوى ، وتناقضها ، ولا تتبع أهواءهم ، فيضلوك عن الصواب . ( و ) لكن " وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَـيْكَ مِن رَبّكَ فإنه هو الهدى والرحمة . وارجُ بذلك ثوابَ ربك ." إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً " يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم ، من الخير والشر . فإن وقع في قلبك ، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة ، حصل عليك منهم ضرر ، أو حصل نقص في هداية الخلق ، فادفع ذلك عن نفسك ، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره ، وهو التوكل على الله ، بأن تعتمد على ربك ، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، في سلامتك من شرهم ، وفي إقامة الدين ، الذي أمرت به ، وثِق بالله في حصول ذلك الأمر على أي حال كان . " وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً " توكِلُ إليه الأمور ، فيقوم بها ، وبما هو أصلح للعبد . وذلك لعلمه بمصالح عبده ، من حيث لا يعلم العبد ، وقدرته على إيصالها إليه ، من حيث لا يقدر عليها العبد ، وأنه أرحم بعبده من نفسه ، ومن والديه ، وأرأف به من كل أحد ، خصوصا خواص عبيده ، الذين لم يزل يربيهم ببره ، ويُدِرُّ عليهم بركاتِه الظاهرةَ والباطنةَ . خصوصا وقد أمره بإلقاء أموره إليه ، ووعده أن يقوم بها . فهناك لا تسأل عن كل أمرعسير يتيسَّر ، وصعب يتسهَّل ، وخطوب تهون وكروب تزول ، وأحوال وحوائج تُقضى ، وبركات تنزِل ، ونِقَم تُدفع ، وشرور تُرفع . وهناك ترى العبدَ الضعيف ، الذي يُفَوِّضُ أمرضه لسيده ، قد قام بأمور ، لا تقوم بها أمةٌ من الناس ، وقد سهَّل الله عليه ، ما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان .