البحث
عقائد الصحابة والقرابة وموقف أهل السنة والشيعة منها
عقائد الصحابة والقرابة
وموقف أهل السنة والشيعة منها
وعقائد الصحابة
الصحابة رضوان الله عليهم لم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام: لا في التوحيد، ولا في القدر، ولا في الإمامة، ولا في مسائل الأحكام- لم يختلفوا في شيء من ذلك بالاختصام بالأقوال فضلاً عن الاقتتال بالسيف؛ بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين.
مثبتين للقدر كما أخبر الله به ورسوله. مثبتين للأمر والنهي والوعيد والوعد، مثبتين لحكمة الله في خلقه، وأمره، مثبتين لقدرة العبد واستطاعته ولفعله مع إثباتهم للقدر.
ثم لم يكن في زمنهم من يحتج للمعاصي بالقدر، ويجعل القدر حجة لمن عصى أو كفر، ولا من يكذب بعلم الله وإحسانه ومَنِّه على أهل الإيمان والطاعة وأنه هو الذي أنعم عليهم بالإيمان والطاعة وخصهم بهذه النعمة دون أهل الكفر والمعصية.
ولا من ينكر افتقار العبد إلى الله في كل طرفة عين، وأنه لا حول ولا قوة إلا به في كل دق وجل.
ولا من يقول إنه يجوز أن يأمر بالكفر والشرك وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يدخل إبليس وفرعون الجنة، ويدخل الأنبياء النار، وأمثال ذلك. فلم يكن فيهم من يقول بقول القدرية النافية، ولا القدرية الجبرية الجهمية.
ولا كان فيهم من يقول بتخليد أحد من أهل القبلة في النار، ولا من يكذب بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، في أهل الكبائر.ولا من يقول إيمان الفساق كإيمان الأنبياء. بل ثبت عنهم بالنقول الصحيحة القول بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان بشفاعة النبي، وأن إيمان الناس يتفاضل، وأن الإيمان يزيد وينقص.
ولا كان في الصحابة من يقول: إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا أئمة، ولا كانت خلافتهم(1 ) صحيحة، ولا من يقول: إن خلافتهم ثابتة بالنص، ولا من يقول: إن بعد مقتل عثمان كان غير علي أفضل منه ولا أحق منه بالإمامة.فهذه القواعد التي اختلف فيها من بعد الصحابة لم يختلفوا فيها بالقول ولا بالخصومات فضلاً عن السيف. ولا قاتل أحد منهم على قاعدة في الإمامة. فقبل علي لم يكن قتال في الإمامة ولا في الولاية.
فمن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قط طائفة أعظم اتفاقًا على الهدى والرشد وأبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم بذلك إذ يقول:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "(2 ).
كما لم يكن في الأمم أعظم اجتماعًا على الهدى وأبعد عن التفرق والاختلاف من هذه الأمة؛ لأنهم أكمل اعتصامًا بحبل الله الذي هو كتابه المنزل وما جاء به نبيه المرسل.
وكل من كان أقرب إلى الاعتصام بحبل الله وهو اتباع الكتاب والسنة كان أولى بالهدى والاجتماع والرشد والصلاح، وأبعد عن الضلال والافتراق والفتنة(3 ).
عقائد أئمة أهل البيت رضي الله عنهم
وأئمة أهل البيت كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومن بعدهم كلهم متفقون على ما اتفق عليه سائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان من إثبات الصفات والقدر. والكتب المشتملة على المنقولات الصحيحة مملوءة بذلك. وليس في أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من ينكر الرؤية ولا من يقول بخلق القرآن، ولا ينكر القدر، ولا يقول بالنص على عليّ، ولا بعصمة الأئمة الاثني عشر، ولا يسب أبا بكر وعمر. والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة وكانت مما يعتمد عليه أهل السنة(4 ).
وشيوخ الرافضة معترفون بأن هذا الاعتقاد في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة ولا عن أئمة أهل البيت، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه، كما يقول ذلك المعتزلة.
وإنما يزعم الرافضة أنهم تلقوا عن الأئمة الشرائع( 5).
التوحيد - أقسامه الثلاثة
التوحيد ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية: وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء. وهذا هو التوحيد الذي كان يقر به المشركون الذين قال الله فيهم: " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ "(6 ).
وقال تعالى: " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ "(7 ). وإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله، ولا يصير الرجل بمجرده مسلمًا فضلاً عن أن يكون وليًا لله أو من سادات الأولياء إن لم يقترن به إقراره بأن لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة إلا هو وأن محمدًا رسول الله.
الثاني توحيد الأسماء والصفات: وهو يتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته.
الثالث توحيد الألوهية: المتضمن توحيد الربوبية بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله، ولا يدعو إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء.
كما خلق الجن والإنس لعبادته، وبذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه، كما بين القرآن هذا التوحيد في غير موضع، وهو قطب رحى القرآن الذي يدور عليه القرآن.
فالقسمان الأولان براءة من التعطيل. والثالث براءة من الشرك.
وأصل الشرك إما تعطيل مثل تعطيل فرعون موسى والذي حاج إبراهيم في ربه والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم. وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل، وأهله خصوم الأنبياء، وفي خصوم إبراهم ومحمد صلى الله عليه وسلم معطلة ومشركة، لكن التعطيل المحض للذات قليل. وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال وهو مستلزم لتعطيل الذات( 8).
مذهب السلف في توحيد الأسماء والصفات
وفي القرآن، والرؤية(9 )
مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل- يثبتون لله ما أثبته من الصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، يثبتون له صفات الكمال، وينفون عنه ضروب الأمثال، ينزهونه عن النقص والتعطيل، وعن التشبيه والتمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "رد على الممثلة " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "( 10) رد على المعطلة. ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المذموم.
وفي القرآن
وأئمة الدين كلهم متفقون على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة من أن الله كلم موسى تكليمًا، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما تواترت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم( 11) وأن لله علمًا وقدرة ونحو ذلك ونصوص الأئمة في ذلك مشهورة متواترة، حتى إن أبا القاسم الطبري الحافظ لما ذكر في كتابه في «شرح أصول السنة»( 12) مقالات السلف والأئمة في الأصول ذكر من قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال: فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا أو أكثر من التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة على اختلاف الأعصار ومُضِيِّ السنين والأعوام وفيهم من نحو مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم( 13).
وروى بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجهين أنهم قالوا لله يوم صفين: حكمت رجلين: فقال: ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلا القرآن(14 ).وعن عكرمة قال: كان ابن عباس في جنازة فلما وضع الميت في لحده قال رجل: اللهم رب القرآن اغفر له. فوثب إليه ابن عباس فقال: مه ؟! القرآن منه( 15).وعن جعفر الصادق وهو مشهور عنه أنهم سألوه عن القرآن أخالق هو، أو مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله ...( 16).وكفَّر الشافعي حفصًا الفرد لما قال: القرآن مخلوق( 17). وقال سليمان بن داود الهاشمي: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
وفي الرؤية
وكان السلف يسمون كل من نفى الصفات وقال إن القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة جهميًا؛ فإن جهمًا أول من ظهرت عنه بدعة نفي الأسماء والصفات وبالغ في ذلك.
ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد- فصار من قال: إن لله علمًا أو قدرة أو أنه يُرى في الآخرة وأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون إنه مشبه ليس بموحد( 18).
الشيعة مخالفون لإجماع أهل البيت مع مخالفتهم لإجماع الصحابة في عامة أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجما
لا نسلم أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت لا الاثنى عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة: توحيدهم، وعدلهم، وإمامتهم. فإن الثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت من إثبات الصفات لله وإثبات القدر وإثبات خلافة الخلفاء الثلاثة وإثبات فضيلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغير ذلك من المسائل كلها يناقض مذهب الرافضة. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم(19 ) بحيث إن معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل اليبت يوجب علمًا ضروريًا بأن الرافضة مخالفون لهم لا موافقون.
لا ريب أن الإمامية متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية مع مخالفة إجماع الصحابة؛ فإنه لم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعثمان وعلي رضى الله عنهم من يقول بإمامة اثني عشر ولا بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكفر الخلفاء الثلاثة، بل ولا من يطعن في إمامتهم؛ بل ولا من ينكر الصفات ولا من يكذب بالقدر(20 ).
-----------------------------------
( 1) كذا بالأصل. ولعله: غير صحيحة.
(2 ) سورة آل عمران آية: (110).
(3 ) ج (3) ص (223- 225، 241، 242),
(4 ) ويأتي ذكر من نقل ذلك من الأئمة كأبي القاسم الطبري في «شرح أصول السنة» وغيره.
( 5) ج (1) (229، 296) ويأتي الكلام حول الشرائع التي تلقوها عند ذكر «أصول فقه الشيعة».
(6 ) سورة لقمان آية: (25).
( 7) سورة المؤمنون الآيتان: (86، 87).
( 8) ج (2) ص (76، 77، 135) وانظر مجموع الفتاوى ج (3) ط الرياض عام (81) ج (3) ص (40) ج (1) ص 89).
(9 ) بشيءٍ من التفصيل.
( 10) سورة الشورى آية: (110).
( 11) في الصحاح والسنن والمسانيد- انظر صحيح البخاري ج (8) ص (179- 186)، وصحيح مسلم جـ 1 ص (163- 171) وسنن أبي داود جزء (4) ص (233، 234) وسنن ابن ماجه وسنن الترمذي وقد استوفاها ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وذكر الآيات ووضح الدلالة منها رحمه الله.
( 12) وهو موجود مخطوط في ألمانيا الشرقية بليبرج رقم (318/ 1)، وقد طبع منه ثلاثة أجزاء وبقي اثنان للتحقيق، وموجود مصور في مكتبة الأستاذ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بالمدينة المنورة.
( 13) انظر المصورة المذكورة ص (57).
(14 ) انظر المصورة ص (45).
( 15) انظر ص (46) من المصورة المذكورة.
( 16) انظر ص (47) من المصورة المذكورة، وذكر نحو ذلك عن علي بن الحسين أيضًا.
( 17) انظر ص (50) من المصورة المذكورة.
( 18) ج (2) ص (335) ج (1) ص (288) وانظر ج (12) مجموع الفتاوى ص (119).
(19 ) ويأتي تسمية بعض المؤلفات في ذلك. وتقدم أن من تلك المؤلفات الجامعة لذكر عقائد السلف وأهل البيت في التوحيد والقدر والتفضيل والإمامة وغير ذلك «كتاب شرح أصول السنة» لللالكائي رحمه الله وروايته بالسند المتصل إليهم.
( 20) ج (2) ص (143، 144، 96- 105، 111).