البحث
قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضي الله عنهما - : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
"أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ" قُلْتُ بَلَى. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ، قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ". قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ". قَالَ: "فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قُلْتُ: إِني أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ". قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: "نِصْفُ الدَّهْرِ".
فالوسطية هي منهج الإسلام في جميع الأمور، وهو منهج واقعي يقوم على الاعتدال في كل شيء. فلا إفراط فيه ولا تفريط، ولا ضرر ولا ضرار.
فحق الجسد على صاحبه أن يعطيه قسطاً من الراحة ويلبي رغباته الجنسية باعتدال، ويغذيه بالأطعمة والأشربة المباحة من غير إسراف، ويقيه من شدة الحر والبرد في غير تكلف ولا خيلاء، ويعني بصحته عناية تقيه شر الأمراض والعلل وتجعله قادراً على تأدية وظيفته على نحو مُرض
.
ويحليه بالزينة المباحة بقدر وسعه؛ فإن أخذ الزينة من المروءة التي يحرص على التحلي بها كل كريم حليم.
وحق العين إراحتها بالنوم؛ لهذا خصها النبي بالذكر بعد الجسد مع أنها منه؛ ليكون هذا التخصيص مزيد بيان لقوله "قُمْ وَنَمْ".
وقد جعل الله النوم راحة للأبدان، فلا يستغنى عنه إنسان ولا حيوان، فهو نعمة من أجل النعم.
والعبادة ليست في الصلاة والصيام فقط، ولكنها في كل حركة نافعة وعمل مفيد، ولقاء مثمر، وتنزه بريء، ولهو مباح.
ولو انقطع الإنسان عن أبناء جنسه فكيف يستطيع أن يقوم بواجبه نحو أقاربه وأصدقائه وجيرانه، وكل هؤلاء لهم عليهم حقوق.
وقد أمر الله – عز وجل – عباده أن يتعارفوا ويأتلفوا، ويتعاونوا على البر والتقوى، فكيف يتسنى له ذلك وهو معتكف في محرابه، أو ملازم لبيته يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يَزُورُ ولا يُزَارُ.