البحث
أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ
عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ أَنَّ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا –
مَرَّ بِهَا سَائِلٌ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ".
المسلم بطبعه كيس فطن، يضع الأمور في موضعها، ويعطي القوس باريها، ويعرف لكل ذي حق حقه، ويتصرف بنور بصيرته تصرفاً يتميز دائماً بالظرف واللطافة والذوق السليم، فتراه سمحاً في معاملاته كلها، ودود في معاشرته للناس متواضع لهم في غير منقصة، يُوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم، ويعرف أقدار الرجال فيتأدب مع ذوي المروءات والهيئات، ولا يحقر أحداً من الناس لفقره أو لقبح منظره أو لدنوه في النسب.
وهذه الوصية المقتضية قاعدة جليلة في معرفة أقدار الرجال وإعطاء كل ذي حق حقه بالتي هي أحسن.
ولقد كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا يميز بين الأحرار والعبيد في حسن المعاشرة، ولا بين الفقراء والأغنياء، ولا بين الأقوياء والضعفاء، بل كان يسوي بينهم في مجلسه وفي حديثه، وكان يخفض جناحه لصغيرهم وكبيرهم ممن اتبعه من المؤمنين، حتى يبدو لهم كأنه واحد منهم.
وكان عليه الصلاة والسلام يلقب العظماء من القواد والسادة بألقاب تناسبهم، فلقب أبا بكر بالصديق، ولقب عمر بالفاروق، ولقب عثمان بذي النورين، وعليا بالكرار، وأبا عبيدة بأمين الأمة، وخالد بن الوليد بسيف الله.
وكان يثني على كل رجل بما هو أهله، فأحبه العظماء من جميع الطبقات ومختلف الأعمار، فهو عظيم العظماء جميعاً بلا منازع.
فإنه من الواجب علينا أن نتمسك بهذا الحديث نصاً وروحاً، فنرفع في نظرنا من رفعه الله، كالعلماء العاملين والأولياء الصالحين، فندنيهم في مجالسنا، ونوقرهم أثناء التحدث إليهم والنظر إلى وجوههم، ونحسن إليهم في تصرفاتنا كلها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ونحفظ لهم الود ما أمكن، وندافع عنهم في غيبتهم، وندعوا لهم بخير متى ذكرناهم، ونصل من يصلونه، ونحب من يحبونه بقدر طاقتنا؛ حسبة لله تعالى، ونقتدي بالنبي– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في معاملته للأخيار والأشرار، فنتواضع في غير منقصة لمن يستحق أن يتواضع له، ونتعالى على من يتعالى ويسيء إلينا.