البحث
أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
"أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ".
هذا الوصية لم تكن لأبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بوجه خاص كما هو ظاهر، ولكننا نفذت من خلاله إلى سائر المؤمنين والمؤمنات.
وهي من الوصايا التي يتعلم منها المسلم الحزم والعزم وأخذ نفسه بالقوة في التجارة مع الله عز وجل، وتدريبها على فعل ما تكره؛ تهذيباً لها، وتقويماً لسلوكها، وزجراً لها عن الميل إلى الشهوات والركون إلى الخمول والكسل، والغفلة عن الذكر في أوقات العمل.
أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر فسنه متبعة، لم يتركها أحد من الصالحين إلا لعذر، وهي أقل ما يستحب فعله في جميع الشهور سوى شهر شعبان؛ فإن كثرة الصيام فيه أشد استحباباً منها في غيره. وصيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الدهر كله.
وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، وكل يوم من الأيام الثلاثة يمثل ثلث الشهر، فإن واظب على صيامها في كل شهر كان كمن صام الدهر كله.
واعلم أن الثواب يكون على حسب الإخلاص في العمل، فرب عمل يسير يحصل العامل من روائه على أجر كبير، والعكس صحيح.
وأما ركعتا الضحى ففضلها كبير وأجرها عظيم؛ لأنها صلاة يغفل عنها كثير من الناس؛ لاشتعالهم بأمور الدنيا، فهي تشبه في الفضل الصلاة في جوف الليل؛ لأنها تقام والناس نيام، فعنصر الإخلاص في هذه وتلك متوفر في الغالب والأجر إنما يكون بقدر الإخلاص في العمل.
ويبدأ وقتها من بدء حل النافلة، وهو مقدار ارتفاع الشمس رمحاً أو رمحين وينتهي وقتها قبل وقت الظهر.
وأقل ما يجزئ في صلاة الضحى ركعتان، فمن شاء اكتفى بها، ومن شاء صلى أكثر إلى اثنتى عشرة ركعة.
واعلم أن صلاة الضحى تعين التائبين على تجديد التوبة وتصحيح النية والإخلاص في العمل والتحرر من الغفلة وكسر جماح الشهوة.
وأما صلاة الوتر فإنها سنة مؤكدة، لا ينبغي على المسلم تركها، ولشدة توكيدها قاربت الواجب، فكانت حقاً على المسلم أن يؤديها قبل أن ينام، حتى لا يضيعها.
والوصية تتعلق بصلاة الوتر في ذاتها بغض النظر عن كونها قبل النوم أو بعده. وكل امريء يرى ما يصلح له فيفعله.
ويبدأ وقت الوتر من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق، ويصليه المسلم بعد صلاة العشاء.
ومن أوتر في أول الليل ثم بدا له أن يصلي فليصل ما شاء، ولا يوتر مرة أخرى عند أكثر أهل العلم؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ".