البحث
لَا يَطْرُقَ الغَائِب أَهْلَهُ لَيْلًا
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا". وفي رواية عنه – أيضاً – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا، حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ". وفي رواية عنه – أيضاً – قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا؛ يتخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ".
التشريع الإسلامي منهج متكامل للحياة الفاضلة، لم يترك صغيرة ولا كبيرة مما يحتاج الناس إليه إلا شملها حكمه ووسعها بيانه.
فقد دخل هذا التشريع الحكيم في أخص خصوصيات المسلم، فوجهه إلى ما فيه الخير له ولأسرته وللمجتمع كله، ونظم له السلوك العلمي والمعنوي في شأنه كله.
ولقد كان أهل الكتاب والمشركون يعجبون كل العجب من سعة هذا التشريع ودقته، ومسايرته لمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، حتى قال قائلهم لسلمان الفارسي: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة!!.
وفي الوصية على بساطتها ووجازتها عالجت أمراً لا يأبه الناس به ولا يلتفتون إليه ولا يعيرون إليه أهمية، مع أنها في غاية الأهمية.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ" يدل على أن هذه الوصية خاصة به دون من يتوقع حضوره في أي لحظة وينتظر قدومه بالليل أو بالنهار، وتعرف الزوجة الوقت الذي يأتي فيه غالباً ولو على وجه التقريب، فتكون مهيأة بطبعها إلى انتظاره، متحاشية ما يسوؤه منظره، ولكن على من كان هذا حاله أن يخبر أهله بقدومه ولو عندما يكون عند باب البيت بالوسيلة التي يراها مناسبة، حتى يتمكن أهل البيت من لقائه على الوجه الذي يحب.
أما من طالت غيبته فإنه ينبغي عليه ألا يفجأهم بقرع الباب، ولا سيما إذا كان الوقت ليلاً؛ فإن ذلك يزعجهم ويقلل من نسبة سرورهم بقدومه، ويعوقهم عن حسن لقائه، ويحرجهم إذا رأى في البيت ما لا يحب أن يراه، أو يجد من زوجته ما لم يتعود أن يجده منها وهو حاضر معها.
ومن ذلك نعلم أن الإخبار بالقدوم مستحب بالنهار أيضا.
ولا مانع لمن طالت غيبته أن يطرق بيته ليلاً من غير كراهة ما دامت هناك حاجة.