البحث
إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، ثُمَّ قَالَ أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا نَجِدُ إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ؛ فَإِنَّ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً".
تواصلت أخلاق النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتشابك بعضها في بعض وتكونت من خلالها عبقريته الشخصية، فكان كل خلق من أخلاقه مفتاحاً لشخصيته؛ لأنها استوت جميعا في السمو والرفعة، وبلغت جميعاً حد الكمال البشري، فلا يقال: مفتاح شخصيته الحلم، أو الرحمة، أو العدل، أو الشجاعة، ولكن يقال: مفتاح شخصيته الخلق العظيم، كما وصفه ربه عز وجل بقوله: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }.
وإن أردت أن تصف أخلاق النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقل: إن العدل شريعته، والرحمة مهجته، والحلم رائده، والكرم ديدنه.
كان خلقه القرآن؛ فقد عمل به نصاً وروحاً حتى تقرأن. فبدا للناس قرآناً يمشي بينهم، تراه أعينهم ذ آذانهم.
ولقد كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المثل الأعلى في التواضع ولين الجانب؛ فقد كان لا يفرق في مجلسه بين حر وعبد، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير؛ فالكل عباد الله، وخيرهم أتقاهم وأنفعهم لنفسه وللناس.
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أعظم العظماء بلا منازع، وهو أسوة الخلق جميعاً في الخلق الفاضل والسلوك النبيل، ولكن لا يأنسى به إلا المؤمنون الذاكرون.