البحث
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا
عَنْ أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوْ الدُّخَانَ، أَوْ الدَّجَّالَ، أَوْ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ".
كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُذكر أصحابه بأيام الله، وسننه في خلقه، ويحدثهم عن علامات الساعة الصغرى والكبرى، والمباشرة وغير المباشرة، ويحذرهم من الفتن: صغيرها وكبيرها، وظاهرها وباطنها، فجمعوا من ذلك قسطاً كبيراً من العلم بأشراطها، ونالوا حظاً وافراً من العظات والعبر، فعاشوا بين الخوف والرجاء، ففازوا بخيري الدنيا والآخرة؛ لأنهم تعلموا كيف تكون الخشية من الله، وكيف يكون الطمع في رحمة الله.
إن النفوس المؤمنة لا تأمن لمكر الله أبداً، ولكنها تخشاه وتتقيه دائماً وفي جميع المواطن.
إن أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا هم خلاصة الخلاصة، إذا سمعوا الموعظة خيل إليهم أن الساعة قد قامت، والنار قد أعدت للغاوين، والجنة قد أعدت للمتقين، وعاشوا في هذه الموعظة معايشه من يسمع ويرى حتى أتاهم اليقين.
وروح هذه الوصية وريحانها وسرها وأثرها في قوله عليه الصلاة والسلام: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا"، فإنها قد جمعت في طياتها عدة أمور يجب أن تؤخذ في الاعتبار.
أولها: رحمة النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بهذه الأمة، وحرصه على إيمانها، وإشفاقه عليها من عذاب الدنيا والآخرة.
وثانيها: أن على المسلم أن يُعِد للأمر عدته، ولو بدا له أنه بعيد، لا يحدث في عصره.
وثالثها: أن المسلم الذي يخشى الله ويتقيه ينبغي أن يضاعف من الأعمال الصالحة؛ لإنها هي سفينة النجاة يوم القيامة، وهي التي يترتب عليها رفع الدرجات في الجنة.
رابعها: معرفة الأعمال المنجية من عذاب الله حتى يتسنى للعامل أن يختار منها أحسنها وأحبها إلى الله عز وجل.
وأما الخامسة: التي أوصانا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمبادرتها بالأعمال فهي "خاصة أحدنا" وهي الموت. والموت كأس كل الناس شاربه، وبا كل الناس داخله، ونسيانه ضلال مبين، والعفلة عنه وعما بعده دليل على فساد العقل وقسوة القلب.
والكيس من الناس أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً.
وأما السادسة: فهو "أمر العامة" أي ولاية شئونهم الدنيوية. فعلى المسلم أن يبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يشغله أمر الناس عن فعل الكثير من الطاعات، فربما يتولى منصباً يشغل أكثر أوقاته فلا يتمكن من تأدية الوظيفة المهمة التي خلقه الله من أجلها، وهي العبادة.
وبعد، فإن هذه الوصية دافعة لنا إلى ما فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة، وإنها لعزمة من عزمات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تأخذنا بقوة إلى الجد في القول والعمل والمسارعة إلى ما فيه مرضاة الله عز وجل بكل ما أوتينا من قوة وحزم، قبل أن يأت يوم لا بيع فيه ولا خلال. وتهون علينا مصائب الدنيا وتزهدنا فيها وتقوى همتنا في طلب الآخرة. ومن جعل الآخرة مبلغ همه ومنتهى أمله فقد فاز فوزاً عظيماً.