البحث
فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ
عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ دُونٍ، فَقَالَ: "أَلَكَ مَالٌ؟" قُلت: نَعَمْ، قَالَ: "مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟" قُلت: قَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ: "فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ".
كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم أصحابه كيف يأخذون من الدنيا حظهم من غير إسراف ولا تقتير، ويدعوهم إلى التمتع بالطيبات بالقدر الذي لا يخرج بهم عن حد الاعتدال، ويوصيهم بأن يأخذوا حذرهم من التكلف في الزهد، والإهمال في مطالب الجسد الضرورية، ويرسم لهم الطريقة المثلى في استغلال ما آتاهم الله من فضله في الحدود التي يحبها الله ويحبها الناس، فالله جميل يحب الجمال، والناس أيضاً يحبون الرجل الذي يظهر بمظهر جميل يريح العين، ويناسب ما جرى عليه العرف الذي يقره الشرع ويرتضيه.
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين ولنا ما جاء في كتاب الله تعالى من الحث على التمتع بالطيبات.
فمن المستحب أن يأخذ المسلم حظه من دنياه بغير سرف ولا تقتير؛ إيماناً منه بأن الفضيلة وسط بين رذيلتين هما الإفراط والتفريط، وأن الإسلام دين الوسطية، وهي القصد والاعتدال في جميع الأمور.
وهذا الحديث حجة على من يدعي أن الزهد في الدنيا هو التقشف والخشونة والحرمان من المتع الحلال، فيلبسون أخس الثياب وأخشنها، ويظهرون أمام الناس بمظهر مقزز مخالف لما جرى به العرف والتقاليد، ويفرضون ذلك على أتباعهم ومريديهم، ويدعون أنه الورع الذي إليه الدين ويرضى عنه رب العالمين.
إن الزهد في الدنيا معناه الاقتصار على الحلال الطيب من غير إسراف ولا تقتير ولا إعجاب ولا خيلاء.
والورع هو ترك الشبهات؛ استبراء للدين والعرض، وترك الجائزات إذا كانت تؤدي حتماً إلى الوقوع في المحرمات.
وهذا الحديث برهان على سماحة الإسلام واتساع أفقه وصلاحيته لكل زمان ومكان، فهو دين واقعي في منهجه، تقوم أحكامه على تحقيق ما تقتضيه الفطرة وتتطلبه الظروف والمناسبات.
فالمسلم صورة صادقة للإسلام في أقواله وأفعاله وسائر أحواله.