البحث
لَا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قَالَ يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لَا يَقُولُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى".
عندما يكمل إيمان العبد بالله لا يخشى أحداً سواه، ولا يخضع إلا للحق الذي يحقه خالقه ومولاه، ولا يجبن عن نصرته بالسيف أو باللسان؛ لأنه يعلم تماماً العلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وأنهم لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر أصحابه وسائر المسلمين من بعدهم بأن يكونوا للحق أنصاراً حيث كانوا، يدافعون عنه بكل ما لديهم من قوة، فيقول: "لَا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ" وهو نهي يحتمل عدة معان تردد أصحابه في المعنى الذي يريده فسألوه عنه.
ومعنى "لَا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ" في هذا الحديث هو ما أجاب به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا السؤال، فتحدد المعنى المراد وتلاشت من ساحة النهي المعاني الأخرى كالتواضع مثلاً، فإن من شأن المؤمن أن يحقر نفسه فلا يرى لها فضلاً على غيرها.
ويؤخذ منه فوق ما ذكرنا أن كلمة الحق ينبغي أن تقال في موضعها وأوانها، وبالأسلوب اللائق بها من غير تهيب من غنى فاجر أو سلطان جائر.
ومرارة الحق عند المؤمن أحلى من العسل؛ لأنه يجني بها من الخير الدنيوي والأخروي ما لا يعلم قدره إلا من بيده الأمر والأجر وعليه المعتمد.
ومن عناصر القوة أن يكون المسلم صريحاً، يواجه الناس بقلب مفتوح ومباديء معروفة، لا يصانع على حساب الحق بما يغض من كرامته وكرامة أنصاره، بل يجعل قوته من قوة العقيدة التي يمثلها ويعيش لها، ولا يحيد عن هذه الصراحة أبداً في تقرير حقيقة ما.
ذلك أن الشخص الذي يحيا في الحقائق لا يتاجر بالأباطيل، فهو غني عنها، وصراحته دليل على ثروة عريضة من الشرف، تغني صاحبها عن الدجل والاستغلال، وتقيم سيرته على ركائز ثابتة من الفضيلة والكمال.
وينبغي على المسلم أن يعطي القدوة من نفسه ولا يعطي الدنية في دينه وأن يدعو إلى الله على هدى من ربه مقتدياً في ذلك بمن سبقه من السلف الصالح مخلصاً لله النية في عمله كله.