البحث
مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!". قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي". وَفِي رِوَاية لَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنِّا، وَمَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا".
كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شدة تواضعه يذهب إلى الأسواق بنفسه؛ ليشتري ما هو في حاجة إليه، وليتعرف على حال التجار فيها، فيبارك من تحلى بالصدق والأمانة في المعاملات، ويعظ من يراه مخالفاً لما عليه سلوك المؤمنين المخلصين، ويعلمهم ما يحل لهم وما يحرم عليهم من الأخذ والعطاء، والبيع والشراء.
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حليم كريم رحيم بطبعه، يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة المقنعة.
فالغشاش إذا عدو نفسه وعدو أمته، قد سل البغي عليهم، ومن سل سيف البعي قتل به، ومن صارع الحق صرع، وعلى الباغي تدور الدوائر.
والإسلام يطلب من معتنقيه قلباً يقظاً وضميراً حياً، تحفظ به حقوق الله وحقوق الناس، وتصان به الأعمال من التفريط والإهمال والغش والخداع.
وفي هذه الوصية يلقن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغشاش درساً يتعلم منه حقيقة الأمانة في أسمى صورها، وأرقى معانيها، وحقيقة الصدق في الأقوال والأفعال.
والصدق والأمانة صفتان جامعتان لخصال الخير كلها، كل منهما تدل على الأخرى، تنبع منها وفيها تصب، فالصدق أمانة والأمانة صدق.