البحث
غَطُّوا الْإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ؛ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ".
هذه الوصية تُرينا بوضوح أن أخذ الحذر واجب، والاحتياط مطلوب في كل أمر يخشى منه الضرر، فأخذ الحذر يقي المرء مما يخافه ويخشاه إن شاء الله تبارك وتعالى، فهو سبب من الأسباب التي ينبغي على المرء أن يأخذ بها وليس عليه بعد ذلك أن ينتظر وقوع المسبب إلا على سبيل الرجاء في فضل الله والطمع في رحمته.
وهذه الوصية يظن بادي الرأي أنها وصية بدوية أو ريفية ينتفع بها سكان الصحاري والقرى المتخلفة؛ والحق أنه هو المتخلف.
فتغطية الإناء تحفظ ما فيه من طعام وشراب وغير ذلك من التلوث بما في الجو من العوادم والغازات والروائح الكريهة، وتحمي ما فيه من اقتحام الجراثيم الفتاكة والحشرات الضارة؛ والوقاية خير من العلاج.
وتغطية الإناء تصرف حضاري يستدعيه الذوق السليم والفطرة المستقيمة والمصلحة العامة.
وربط السقاء، وهو القرية ونحوها، وإحكام غلقة – تصرف حضاري أيضا؛ فإن الماء يصيبه ما يصيب الطعام، فلابد من حفظه والعناية بتنقيته من كل ما يعتريه من الشوائب، وهو عمل جليل سبق إليه الإسلام فأوصى به على هذا النحو البسيط؛ لنأخذ منه ما ينفعنا في عصرنا هذا. فربط السقاء يقابله في عصرنا إحكام الزجاجات التي يكون فيها الماء، وإحكام غلق الحنفيات والمحابس؛ حتى لا يتسرب الماء منها على الأرض فيضيع هدراً، ويترتب على سيلانه ما نعرفه من الأخطار.
وينبغي أن تعرف أن الإسلام يدعو إلى القصد في كل شيء ولا سيما في الماء؛ بوصفه روح الحياة.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الوصية: "وأغلقوا الباب" أمر من الأمور التي يعرفها الناس بداهة ولا يحتاجون فيها إلى إيصاء، ولكن الإنسان من طبعه النسيان، فقد ينسى إغلاق الباب، أو يكسل عن إغلاقه ويقول في نفسه: الدنيا بخير، والبلد أمان، وربنا يستر، ونحو ذلك من الأقوال التي تتعارض مع الحرص والحذر. وإغلاق الباب يشعر صاحب الدار أو الحجرة بالأمان أكثر وأكثر، فينام في هدوء وراحة بال، وهذا أمر لا يستهان به.
وأما إطفاء السراج فهو من الضروريات التي ينبغي أن نحرص عليها عند إرادة النوم إذا كان السراج مما يضاء بالغاز ونحوه. لأن الظلام يجلب النوم بهدوء، وينسى الإنسان متاعبه المادية والمعنوية، ويريحه من الهم المتواصل بعض الشيء.