البحث
امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
"امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ". وفي رواية قال: "أَتُحِبُّ أَن يَلِينَ قَلْبُكَ، وَتُدرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرحَمِ اليَتيمَ، وَامْسَح رَأَسَهُ، وَأطعِمَهُ من طعامك – يَلِنْ قَلْبَكَ، وتُدرِكَ حَاجَتَكَ".
من علامة إيمان الرجل أنه يشعر بقساوة قلبه إذا قسا؛ وذلك لأن القلب إذا استنار بنور الله على قدر ما فيه من الإيمان، لَان بذكر الله واستجاب لما يسمعه ويره من العظات والعبر، فإذا ضعف الإيمان شيئاً ما، قل النور وخفت وبهت بقدر ما نقص من الإيمان، وعند ذلك يشعر بالقسوة والغلظة، فيدفعه ما تبقى من الإيمان إلى البحث عن السبب في نقصانه الذي أدى إلى قسوة قلبه، ويدعوه حاله إلى التفكر الجاد في إصلاح نفسه، فيأخذ طريقه إلى الإصلاح بكل ما أوتى من عزم وهمة حتى يعود إليه إيمانه كما كان. وهكذا يتعهد نفسه كلما شعر بذلك حتى يلقى الله عز وجل وهو يتقلب بين الخوف منه والطمع في رحمته.
فيقول له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اِرحَمِ اليَتيمَ، وَامْسَح رَأَسَهُ، وَأطعِمَهُ من طعامك – يَلِنْ قَلْبَكَ، وتُدرِكَ حَاجَتَكَ".
والمعنى واضح ولكنه يتضمن من الأحكام ما نحن في حاجة إلى معرفته.
وقد رغب الإسلام القادرين من أهل البر والصلاح في كفالة اليتامى والإحسان إليهم، والعطف عليهم، وحفظ أموالهم، والعمل على إعدادهم جسمياً ونفسياً وعقلياً حتى يصيروا رجالاً صالحين.
وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبالغ في بر اليتيم وإكرامه والعطف عليه، ويرغب أصحابه في ذلك ترغيباً عظيماً، لا لأنه عاش يتيماً وذاق مرارة اليتم، ولكنه كان يشعر بحاجة اليتيم إلى ذلك.
واليتيم إذا كان من المساكين كان إطعامه وبره أعظم أجراً عند الله عز وجل.
يباح للفقير أن يأكل من مال اليتيم بقدر حاجته الضرورية.
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَاذِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ" أي: ولا جامع مال لك ولأولادك من ماله. أو لا تأكل من ماله وتوفر مالك لتدخره لأولادك، يقال: مال مأثول أي مجموع له أصل.
والذي يعنينا في شرح هذه الوصية وتحليلها أن نتعلم منها كيف تكون الرحمة باليتيم، وهي كلمة واسعة الدلالة تتسع لكل ما من شأنه أن يكون براً به وعطفاً عليه وإحساناً إليه. وذلك يكون بحسن كفالته والاهتمام بتأديبه وتعليمه وإعداده إعداداً جيداً لخوض ميدان الحياة المختلفة بعزم وحزم، ومعرفة ما ينفعه وما يضره في أمر دينه ودنياه. ومسح رأسه تعبير صادق عن حبه له وشفقته به؛ بشرط أن يكون هذا المسح خالصاً لوجه الله تعالى.
إن من أعظم الإحسان إلى اليتيم ألا تذكره بيتمه، وألا تشعره بفقره ومسكنته، وألا تحمله على أن يضع اليتم في اعتباره دائماً فيصاب بعقدة نفسية الله أعلم بمدى تأثيرها على أخلاقه وسلوكه حين يبلغ السعي ويخالط الناس.