البحث
[9] الصبر واحتمال الغضب
الصبر لغة بمعنى المنع والحبس ، وهي منزلة رفيعة لا ينالها إلا ذوو الهمم العالية ، والنفوس الزكية ، والغضب هو ثورة في النفس ، يفقد فيها الغاضب اتزانه ، وتنقلب الموازين عنده ، فلا يكاد يميز بين الحق والباطل ، وهي خصلة غير محمودة ، إلا ما كان منها غضباً لله ، وهو ما كان يتصف به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يكن يغضب لنفسه ولم ينتصر لها قط ، إنما كان يغضب إذا انتهكت حرمات الله .
ووجه تعلق ذلك بالتعليم :أن المعلم يتعامل مع أفراد يختلفون في الطباع ، والأفكار ، فمنهم الجيد ، ومنهم الضعيف ، هذا بالإضافة إلى انشغال المعلم بعمليات التحضير والتصحيح ،والتدريس المتواصل أغلب فترات اليوم الدراسي ، مع ما يتبع ذلك من تحمل لمشاكل الطلاب المتكررة ، إلى غير ذلك من المهام المنوطة بالمعلم . فكل الأمور السالفة الذكر وغيرها ، تستلزم من المعلم صبراً وتحملاً ، وهذا الصبر ليس سهل المنال ، بل إنه يحتاج إلى طول ممارسة من المعلم حتى يعتاد ذلك ويألفه . وفقدان الصبر يوقع المعلم في حرج شديد ، خصوصاً إذا كان ذلك أثناء ممارسة للتعليم ، فإن المعلم يواجه عقليات متفاوتة في الإدراك والتصور ، والاستجابة ، إلى غير ذلك . فقد يظل المعلم يلقي هذا الدرس كله ، أو قد يتعرض المعلم إلى أسئلة تافهة أو في غير محلها ، أو قد يفاجاً المعلم أثناء الإلقاء بأن أحد طلابه نائم أو يبتسم .. الخ . بل إن من أشدها وقعاً وأثراً على المعلم وهو ما إذا تعرض المعلم لكلمة نابية من أحد طلابه ، وليس ذلك بمستغرب لأختلافهم في الطباع ،والإدراك ونحو ذلك .
إن احتواء الغضب والسيطرة عليه علامة قوة للمعلم ، وليست علامة ضعف ، خصوصاً إذا كان ذلك المعلم قادراً على إنفاذ ما يريد ، أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله " ليس الشديد بالصرعة . إنما الشدي الذي يملك نفسه عند الغضب " . ويجسد ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله فإنه ـ بأمي وأمي ـ كان أملك الناس لغضبه .
1- عن أنس بن مالك قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه رداء نجراني غليظ شدي الحاشية ، فأكركه أعرابي ، فجبذه بردائه جيذة شديدة . نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جبذته. ثم قال :يا محمد ! مر لي من مال الله الذي عندك . فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فضحك ثم أمر بعطاء . علق النوري على هذا الحديث بقوله : فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم ، ودفع السئية بالحسنة قلت : ولاشك أنه مهما بلغ من أمر الطالب ما بلغ ، فهو دون ذلك الأعرابي بكثير !!
2- عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً . فقال رجل : إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله . فال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته . فغضب من ذك غضباً شديداً واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له .قال . ثم قال : " قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر " .
ولك أن تسأل عن أثر الغضب على المرء في جسمه ، ولسانه ، وأعضائه ، وقلبه يقول صاحب الإحياء .
ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام واضطراب الحركة والكلام ، حتى يظهر الزبد على الأشداق وتحمر الأحداق وتنقلب المناخر وتسحيل الخلفة ، ولم رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته ، واستحالة خلقته .. وأما أثره في اللسان غضبه حياء من قبح صورته ، واستحالة خلقته .. وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند فتور الغضب ، وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ . وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة .. وأما أثره في القلب مع المعضوب عليه فالحقد والحسد وإضمان السوء والشماته بالمساءات الحزن بالسرور ..أ هـ .
وعلاج ذلك يكون بالعلاج الرباني والنبوي : أما العلاج الرباني ن فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين يكظمون غيظهم وليس ذلك فقط بل مع العفو عن الناس . قال تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: من الآية134 ) . وأما العلاج النبوي فقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم الغضب بعده طرق .
1) أن يقول الغاضب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
2) أن يسكب الغاضب ولا يتكلم ، حتى لا يتمادى به الغضب فيقع في المحذور .
3) إذا كان الغاضب قائماً فليجلس ،وإن لم ينطفئ غضبه فلتضطجع .
4) أن يتوضأ الغاضب وضوء للصلاة ، فإذ الغضب يطفأ بالماء قال علي بن ثابت .
العقل آفنه الإعجاب والغضب والمال آفنيه التبذير والنهب
ولم أر في الأعداء حين خبرتهم عدواً لعقل المرء أعلى من الغضب
الخلاصة :
1) الصبر عامل قوي في نجاح المعلم .
2) الغضب ثورة في النفس ، واختلال في الموازين وضعف في التمييز ، وعواقبه وخيمه .
3) براعة المعلم تكمن في كيفية امتصاص غضبه عند حدوثه والسيطرة على أعصابه .
4) التدرج ، وطول المران يكسبان المعلم ، قوة ومنعة .
5) المبادرة بعلاج الغضب عند حدوثه ، وأفضله على الإطلاع العلاج الرباني النبوي .