البحث
[ 36] تقديم السائل من خلال سؤاله ، وإجابته بما يناسب حلاله
يتلقى المعلمون والمربون ، أسئلة كثيرة من طلابهم وتلاميذهم ، ونجد أن كثيراً من المعلمين والمربين يقتصرون في إجاباتهم على مراد السائل فقط لا يعتدونه . والتحقيق أن يقال : إن الاقتصار على مواد السائل فقط لا ينبغي في كل الأحوال ، بل قد يكون فيبعض الأحيان ما يدعو المعلم إلى الزيادة على مراد السائل وتوضيح بعض المسائل اتي تتعلق بالسؤال ، أو تقرير بعض المسائل المهمة والتي يمكن ربطها بالسؤال ، وذلك الأمر يشتد إذا كان السائل يغلب عليه الجهل . وإليك التفصيل :
أ ـ معاملة السائل من جهة جهله :
1- عن أبي هريرة رضي اله عنه قال : ( سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ، إنا نركب البحر ونحمل معنا من الماء فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ من ماء البرح . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته . ) قال الرافعي : لما عرف صلى الله عليه وسلم أشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم مييته وقد يبتلي بها راكب البحر فعق الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة .. وقال ابن العربي : وذلك من محاسن الفتوى أن يجاء في الجواب بأكثر مما يسأل عنه تتميماً للفائدة وإفادة لعلم آخر غير مسئول عنه ، ويتأكد ذلك عن ظهور الحاجة إلى الحكم كماهنا لأنمن توقف في ظهرورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفاً . ونحن هنا نلمس حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان حكم جديد لذلك السائل ، لان من سأل عن طهوريه ماء البحر وجهل حكمه ، فلئن يجهل حكم ميتته من باب أولى كما قال ابن العربي .
20 عن أببي جري الهجيمي قال : ( رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه قلت : من هذا ؟ قالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : عليك السلام يا رسول الله مرتين ، قال : لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحيه الميت قل السلام عليك . قال قلت أنت رسول الله ؟ قال : أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك ، وإن أصابتك عام سنة فدعوته أنبتها لك ، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة [ بأرض قفراء أو فلاة ] فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك . قال قلت : أعهد إلى . قال لا تسبن أحداً .. الحديث ) . وفي هذا الحديث يتبين لنا جهل ذلك السائل واضحاً بأمور : أولاً في قوله : ( رأيت رجلاً ) وهذا يدل على أنه لأول وهلة يرى الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً : في قوله ( عليك السلام ) . وفإن تحيه الإسلام لا يجهلها أحد من الصحابة ، لانها من الأمور المتكررة التي تحدث في اليوم الواحد مرات عديدة ، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ، جهلة أراد أن يدله على خالقه ويعلمه ، فرشده أولاً إلى تصحيح خطئه بقوله : ( لا تقل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الميت ) ثم بين له أنكشف الضر ، والاستغاثة كلها لا تصرف إلا الله . وفي الحديث لفته كريمة للمسلم حيث دل الأعرابي على خالقه الذي يملك وحدة الضر والنفع ، وربطه به وحده دونه صلى الله عليه وسلم ، ورغبة في اللجوء إليه وطلب العون منه والاستغاثة به في الملمات .
ب ) معاملة السائل من جهة ماهو أنفع له :
1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( أن رجلاً قال : يارسول الله ، ما يلبس المحرم من الثباب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يلبس المقمص ولا العمائر ولا السرايلات ولا البرانس ولا الخفاف .. الحديث ) قال النووي : قال العلماء هذا من بديع الكلام وجزله لأن مالا يلبس منحصر فحصل التصريح به ، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال : لا يلبس كذا أي ويلبس ماسواه .. وقال ابن دقيق العيد : يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة .
2- عن قتادة قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة لم جعلت ؟ فأنزل الله (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(البقرة: من الآية189)) فجعلها لصوم المسلمين وإفطارهم ولمناسكهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل دينهم .
يقول ابن القيم : فسألوه عن سبب ظهور الهلال خفياً ثم لا يزال يزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوال معاشهم ومواقيت أكثر عباداتهم وهو الحج ، وإن كانوا قد سألوا عن السبب فقد أجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه ، وإن كانوا سألوا عن حكمة فقد أجيبوا عن عين ما سألوا عنه ...
الخلاصة :
1) تقديم حال السائل ، وبيان ما قد يحتاجه السائل ، ففي المثال الأول من الفقرة الأولى : كان السائل جاهلاً بحكم معين وهو قد يخفي على بعض دون بعض ولذلك أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم على سؤاله وأردفه بحكم آخر يجهله السائل وهو متعلق بالسؤال نفسه ، فمن جهل الحكم الأول فلا بد أن يهل الآخر . فتأمله . وفي المثال الثاني في الفقرة الثانية :
كان سؤال الصحابي يدل علىجهله الشديد بأمور الإسلام حيث أخطأ في السلام وهوأمر لا يكاد يخطئه أحد لشيوعة بين الناس ، ولذا عامله الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب حاله ، حيث أجاب على سؤاله ثم علمه ودله على خالقة .
2) قد تكون إجابة السائل بخلاف السؤال ولكنها أنفع له ففي المثال الأول من الفقرة الثانية : كان السؤال عن جنس ما يلبس وهو كثير صعب الحصر ، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى مالا يلبس وهو قليل محصور . وفي المثال الثاني من الفقرة الثانية : فيه سؤالهم عن طبيعة الهلال وخلقته ، فاجابهم بما هو أنفع لهم من الحكمة العظيمة في إيجاده.
3) ليس ذلك التقديم مضطرداً في كل أحوال السائلين ، وإنما هو أمور يقدرها المعلمون .
4) الاستفادة من أسئلة الطلاب في ترسيخ معاني معينه ، أو بيان أحكام جديدة ، وغير ذلك