البحث
ترسيخ العقيدة وتحقيق العبودية في كل أمر من أمور الحياة
يُعد هذا الهدف أهم أهداف التربية الإسلامية وكل الأهداف تنبثق منه، وقد جبل الله عز وجل النفوس على التوحيد ولكنها تحتاج أن تتعلم أصول الإيمان وجزيئاته، وأصْلَحُ أوقات غرس العقيدة السنواتُ الأولى في حياة الطفل؛ لأنه يصغي إلى المربي بكل جوارحه، ويقبلها دون نقاش ([1]) كما أن خياله الواسع يساعده على تخيل الجنّة والنار وأهوال القيامة والملائكة وعالم الجن وغيرها مما يتصور.
* وهناك عدة وسائل لتحقيق وغرس العقيدة وهي:
1- ترسيخ العقيدة الصحيحة عن طريق التلقين: أولُ ما يلقّن الطفل كلمة التوحيد، إذ أن السلف يعلمون الطفل في أول حياته كلمة التوحيد، ويؤذِّنون في أذنيه عند ولادته، ليكون أول ما يقرع سمعه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله } ([2])
ثم يُعَلّم القرآن "وَتَعَلُّمُ الصِّبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشئون على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكّن الأهواء منها" ([3]) وهو خير من تعليم الجدل والفلسفة ([4]) وقد يسر الله تعالى حفظ القرآن، وإن الصبي ليحفظ منه كثيراً بقليل من الجهد ولو حاول حفظ غيره من العلوم لقضى في ذلك أضعاف ما يقضيه في حفظ القرآن ([5]) ثم إن قصاره تشتمل على أصول الإيمان ([6]) فيبدأ الطفل بحفظها وتدبر معانيها.
ثم مع حفظ القرآن يُعَلَّم السيرة النبوية والمغازي وسير الصحابة والتابعين وحكايات الأبرار والصالحين ([7]).
كما على المربي أن يحدث الطفل عن حقائق الإيمان ويجيب على أسئلته بصدق، مهتدياً بالرسول صلى الله عليه وسلم حين حدّث ابن عمر - رضي الله عنهما- فقال: { يا غلام احفظ الله يحفظك... } ([8]) ([9]) وقد كان الصغار يحضرون الجمعة والجماعات ويسمعون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المربي أن يحدّث الطفل عن الجنة والنار، ويصفها بأوصاف يفهمها الطفل فيتخيلها، ويرسخ في ذهنه وجودهما.
2- ترسيخ العقيدة عن طريق تعليمه الأذكار: وليس المراد فقط أن يحفظ أذكار الأحوال والمناسبات من أكل وشرب ونوم ويقظة، بل يعلمه الدعاء وطلب الحاجة من الله، وإذا مشى في الظلام علِّمه ذكر الله والاستئناس به، والتسمية عند الفزع، والدعاء عند المرض، حتى يتعلم الاستغاثة، ويعلمه الرُّقية الشرعية والتوكل على الله وطلب الحاجة منه وحده
3- ترسيخ العقيدة عن طريق التدبر: بأن يلفت نظر الطفل إلى مظاهر الكون وارتباطها بالتوحيد، وهذا الربط يشعر الطفل بالتوازن النفسي، ويحس بأنه جزء من أجزاء الكون المتناسقة ([10]) ويبين له أن هذا الكون بكل ما فيه يسبَح لله، ويرشده إلى التسبيح ليكون مع الركب المسبّح.
كما أن المربي يستطيع تعليم الطفل صفات الله عز وجل وأسمائه عن طريق التدبر في جمال الكون وعظمة الطبيعة ونظامها ([11])
"واعلم أن ما ذكرناه... ينبغي أن يقدم للطفل في أول نشوئه ليُحفظ حفظاً، ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئَاَ فشيئاً، فابتداؤه الحفظ ثم الفهم ثم الاعتقاد والإيمان والتصديق به، وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان " ([12])
4- حمايته من الشرك ووسائله: فإن بعض الناس يلفت نظر الطفل إلى رقابة الناس والاستخفاء ببعض الأمور، ويجعل الطفل مهتمًّا برضا الناس خائفاً من سخطهم، ويتكرر هذا حتى يغلب على مراقبة الله والاهتمام برضاه والخوف من سخطه، فيتعلم الرياء، ويعمل طلباً لرضا الناس وإن غابوا عنه لم يعمل أي عمل، أو يعمل عادةً دون ابتغاء الأجر من الله ([13]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) انظر: كيف نربي أطفالنا: محمود الاستانبولي ص 48.
([2]) رواه البيهقي في شعب الإيمان: 6/398، والديلمي في الفردوس في مأثور الخطاب: 1/71 ورقم الحديث (207)، وذكره المباركفوري في تحفة الأحوذي 4/64.
([3]) من كلام الحافظ السيوطي- رحمه الله.
([4]) انظر: إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي: 1/94.
([5]) انظر: إعجاز القرآن، مصطفى الرافعي. ص 242.
([6]) انظر: مباحث في علوم القرآن، مناع القطان: ص 60.
([7]) انظر: إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي: 3/73.
([8]) الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2516)، أحمد (1/293).
([9]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 1/293، 307.
([10]) انظر: كيف يربي المسلم ولده، محمد سعيد مولوي: ص 119.
([11]) انظر: المرجع السابق. ص 117.
([12]) إحياء علوم الدين، الغزالي: 1/94.
([13]) انظر: من أخطائنا في تربية أولادنا، محمد السحيم: ص 12- 17، 72- 76.