البحث
الإنسانُ الأوَّلُ والنبيُّ الأوَّل: آدمُ عليه السلام
تذكَّر أنَّنا حين تكلَّمنا عن خلق الإنسان قلنا أنَّ أول إنسان ظهر على الأرض كان آدم عليه السلام، وكان آدمُ أولَ الأنبياء أيضاً، أي أنَّ الله أرسل رسولاً لأوَّل جماعة خلقها على وجه الأرض، وعلَّمها دينَها وكيف يكون أفرادُها عباداً مخلصين لله .وقد علَّم الله آدمَ كيف يتكلَّم، وعلَّمه الأسماءَ كلَّها، ويُخبِرنا القرآنُ عن هذا فيما يلي:
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (سورة البقرة: 31 )
ويُعتبَر تعليمُ الكلام شيئًا هامًّا جدًّا، فالإنسان وحده من دون جميع الكائنات الحيَّة لديه القدرةُ على الكلام فهي خاصية للبشر وحدِهم. ويعود الفضل في الكلام إلى القُدرة الأوَّلية التي خلقها الله وبَثَّها في آدم، حيث أصبح في قدرة الإنسان أن يعرِفَ الأشياءَ من حوله ويعطيَ لها أسماء.
واستطاعت الأجيال التي تلت آدم أن تتكلَّم بدورها، وأن تكون لها مشاع؛ فَتتمكَّنَ من الشعور بالأسف أو الحماس، كما ارتدوا الملابس، واستخدموا الأدواتِ والأجهزةَ، وتملَّكوا المواهبَ في الموسيقى والفَنِّ. وتُظهِر الآلاتُ الموسيقيَّة؛ مثل النَّاي والرُّسوم الجِدارِيَّة، وغيرِها مِن الأشياء التي عثر عليها العلماء مع بقايا البَشَر الأقدمين، أنَّهم كانوا أناساً مثلنا؛ أي أنَّه على خلاف مزاعِمِ بعضِ الناس؛ فإنَّ البَشَر الأوائل لم يكونوا أبداً مخلوقاتٍ متوحشةً، ولم يكونوا أبداً مخلوقاتٍ وسطاً بينَ القِرْدِ والإنسان.
وتعلمُ أنَّه لا القردُ ولا أيُّ مخلوقٍ آخرَ يمكنه الكلام أو التفكير أو التصرُّف مثل الإنسان؛ فقد خصَّ اللهُ الإنسانَ وحدَه بِكُلِّ هذه القُدُرات (وللمزيد من المعلومات حوْلَ هذا الموضوع يُمكِنُك الرجوعُ إلى كتاب عجائب خلْق الله لهارون يحيى).
ورغم هذا فإنَّ بعض الناس الذين لا يريدون قَبُولَ الحقيقة القائلة: إنَّ أولَ كائنٍ بشريٍّ كان آدم، يُقدِّمون مزاعمَهم الخاصة، فزيَّفوا شخصيةً لأوَّل إنسان. ووفقًا للسيناريو الخياليِّ الذي ألَّفُوه؛ فإنَّ البَشَرَ والقرودَ غيرَ المُذنَّبَة (أي التي لا ذيل لها؛ مثل الشمبانزي والغوريلا) نبعت مِن مخلوقٍ واحد، أي أنَّ لها سَلَفًا مشترَكًا، ثم تطوَّروا مع مرور الوقت إلى حالتهم الحالية. فإذا سألتَهم عن كيفية حدوث هذه الأحداث غيرِ المعتادة، فإنَّ لديهم إجابةً واحدةً هي قولهم: «حدَثت بالصُّدفة ». وإذا طلبتَ مِنهم تقديم أيِّ دليلٍ على زعمهم فإنَّهم لا يستطيعون. واختصاراً لما سبق؛ فإنَّه لا توجد ولا قطعةٌ واحدةٌ مِن بقايا الكائنات الحية تُثبِت أنَّ الإنسان تطوَّر من مخلوق آخر.
فإذا سألتَ: ما هي هذه البقايا مِن الماضي؟ فهناك إجابةٌ جاهزة: إنَّ بعضَ المخلوقات الحية تترك آثاراً حين تموت، وهذا البقايا التي نسمِّيها حفرياتٍ؛ تبقى لملايين السنين دون تغيير. ولكنْ لِيَحدُثَ هذا؛ فإنَّه يجب على هذا المخلوقِ أن يُحبَس فجأةً في بيئةٍ خالية من الأكسجين. وعلى سبيل المثال؛ إذا حدث أن تمَّ لِطائرٍ على الأرض تغطيتُه فجأةً بِكُومٍ مِن الرِّمال لملايين السنين، فإنَّ بقايا هذا الطائر يُمكن أن تبقى إلى يومنا هذا. وبالمِثْلِ؛ فإنَّ هناك موادُّ تُفرِزُها الأشجار تُسمَّى "الراتينجات"، وتغطِّي أحياناً هذه المادةُ التي تُشْبِه العسلَ حشرةً، ثم تتحوَّل إلى مادَّة صلبة تُسمَّى "الكهرمان"، فتحفظ الحشرةَ الميِّتةَ لملايينِ السنين .وبهذه الطريقة نتمكَّن من جمع معلوماتٍ عن الكائنات الحيَّةِ التي كانت موجودةً في الأزمان الغابرة، وتُسمَّى هذه البقايا "حفريات ".
ولا يمكن لمن يقترحون أنَّ الإنسان الأوَّل ظهر إلى الوجود متناسلاً من مخلوق يشبه القردة غيرَ المُذَنَّبة، أن يُظهِروا أيَّةَ حفريَّةٍ تثبت مزاعِمَهم .أي لم يعثر أحد على أيَّةِ حفرية تنتمي لمخلوق غيرِ معتادٍ، نصفُه إنسانٌ، ونصفُه الآخر قردٌ غيرُ مُذَنَّبٍ. لكنْ ما فعله هؤلاء الناس هو تقديمُهم لحفرياتٍ مُزيَّفة، وصورٍ ورسوماتٍ لتغطية هذا التزييف، بل وأدخلوا هذه الرسومات المُزيَّفة في الكتب التعليمية للمدارس.
وتمَّ كشفُ عملياتِ التزوير هذه تدريجيًّا واحدةً واحدة، ونشرُها باعتبارها تزييفاتٍ علميةً. ونظراً لأنَّ أصحاب هذه المزاعِم غيرُ حكماءَ، ويتميَّزون بالعِناد، فإنَّه يكاد يكون من المستحيل عليهم أن يتقبَّلوا وجودَ الله، ويُدرِكوا أنَّه يخلُق كلَّ شيء. ورغم أنَّ عدد هؤلاء الناس يتضاءَل بصورة مستمِرَّة، فإنَّه مازالت هناك بَقِيَّة منهم تجتهد لنشر وجهات نظرهم المُشوَّهة، ويُصِرُّون على تبرير حُجَجِهم، ويؤكِّدُون أنَّها صحيحةٌ علميًّا. ورغم ذلك فإنَّ كلَّ بحث يتمُّ إجراؤه، وكُلَّ دليل يقدِّمه النابهون مِن العلماء يُثبِتُ أنَّ القِردَ غيرَ المُذنَّب لم يتطوَّر إلى إنسان.
وكان آدمُ - وهو الإنسان الأوَّل الذي خلقه الله بعناية خاصَّةٍ - مُمَاثِلاً للإنسان المعاصر مِن جميع النواحي، ولم يكن يختلف عنَّا في أيِّ شيء، وهذه هي الحقائق التي يُخبِرُنا الله بها في القرآن .وتبقى قضيةٌ في غاية الأهمية يخبرنا الله بها عن آدم، وهي قِصةُ آدمَ مع الشيطانِ عدوِّ البشرية.
الشيطان عدوُّ البشرية الأكبر يمكن أن تكون قد علمت بعض المعلومات عن الشيطان، ولكن هل تعرِف أنَّه هو أيضاً يعرِفُك جيِّداً، ويلجأ بكلِّ الطُّرُق إلى أن يغويَك؟ وهل تعلم أنَّ الغرض الرئيسيَّ للشيطان الذي يتظاهر بصداقته إياك إنما هو أن يخدعك؟ ولْنَبدأْ مِن البداية الأولى؛ لِنُذكِّرَ أنفسَنا لِمَ كان الشيطانُ عدوَّنا، ولِنَعرِفَ هذا سوف نرجع إلى قصة آدم والشيطان في القرآن.
ويُطْلِِق القرآنُ لَقَب الشيطان حتى يوم الدين اسمًا عامًّا لكلِّ الكائنات التي وهبت نفسَها لإغواءِ الإنسان بعيداً عن طريق الله. ويُذكَر إبليسُ في القرآن باعتباره الشرِّيرَ الأصيل الذي تمرَّد على الله حين خلَقَ اللهُ آدم.
ووفقاً للقِصَّة القرآنية، فإنَّ الله خَلَق آدم، ثُم طلب من الملائكة بعد ذلك السجودَ له. وامْتَثَلَ الملائكةُ لأمر الله، أمَّا إبليسُ فقد رفض السجودَ لآدم، وأكَّد بصورةٍ فَجَّة من التمرُّد على الله وعقوقٍ لِحَقِّ الله على عباده في أن يأمُرَهم بما يشاء، وتبَجَّح بكَوْنِه خيرٌ من الإنسان. فطَرَد اللهُ إبليسَ مِن حضْرَتِه لعصيانِه وسُوء أدبه .
وقَبْل أن يُغادِرَ حضْرَةَ اللهِ، طَلَب إبليسُ من اللهِ مُهْلَةً، حتى يَتَمكَّن مِن إغْوَاءِ الناس. ويتركَّز هدفُ إبليسَ في أن يُغوِيَ الناس حتى يَجعلَهم يَحِيدُون عن الطريق المستقيم، أثناء المُهلَةِ التي منحها اللهُ له. ولن يَتَورَّع الشيطانُ عن شيءٍ في سبيلِ جَعْلِ أغلبيَّةِ الناس يَخضَعون له. وقد أَعلَن اللهُ أنَّه سوف يُرسِل الشيطانَ وأتباعَه إلى النار، ويَذكُر القرآنُ هذا كما يلي:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِين) (سورة الأعراف:11-18)
وبعد طَرْدِ الشيطانِ بعيداً عن حضْرَةِ الله، شَرَع في الصِّراع الذي سوف يستمِرُّ إلى يومِ الحساب. ومنذ ذلك الحين فإنَّه تَسلَّطَ على الناس بِمَكْرٍ وخُطَطٍ لإغوائهم، مستخدِماً طرقًا غيرَ مسبوقَةٍ لِيُحقِّق هذا الغرضَ. وكما فَهمت الآن فإنَّ الشيطانَ عدوٌّ يُمكِنه أن يَدخل إلى الإنسان بِمكرٍ شدِيد ودهاء. ولهذا السَّبب يجِبُ عليك أن تكونَ حذِراً لِتنْجُوَ مِن حِيَله.
ولا تنسَ أبداً أنَّ الشيطانَ يَكمُن لك الآن ويُخطِّط للإيقاع بك. وهو يُحاوِل في هذه اللحظة أن يَمنعَك من إكمال قراءة هذا الكتاب، ويُحاوِل منْعَك مِن التفَكُّر فيما قرأته، ويحاول أن يَعُوقَك عن أداء الأفعال الخيِّرة، ويُغرِيَك حتى تُعامِلَ الذين يَكبُرُونَك بِغير احترامٍ وتَعصِيَهم. كما يسعى لأن يمنعَك مِن شُكر الله ومِن الصلاة، ويُحاوِل أن يمنعَك مِن أن تقولَ الصِّدْقَ في جميع أحوالِك. ويجب عليك ألاَّ تسمَحَ أبداً للشَّيْطانِ مِن أنْ يخدعَك ويُعطِّلَك عَن أن تكونَ إنساناً ذَا شخصيةٍ خَيِّرة، ويعطِّلَك عن الاستِماعِ لِصوتِ ضمِيرِك.
ويَجِب عليك أن تلجأَ إلى الله وتسألَه أن يُعِينَك ويُنْجِيَك حين تُفكِّر في فِكرةٍ شِرِّيرة، أو حين تجد نفسَك غيرَ راغِبَةٍ في القيام بِفعل خير، فهذا كلُّه مِن الحِيَل الماكِرَة للشيطان، ولا تنسَ أبداً أنَّ الشيطانَ لا سَيْطرةَ ولا سُلْطانَ له على من يمتلك الإيمان.