البحث
ذريته -صلى الله عليه وسلم-
الذُرية بضم الذال المعجمة وكسرها لغتان، حكاهما صاحب ( المُحْكَم)، والأُوْلى أفصح وأشهر. قال في ( الصحاح): هي نسلُ الثقلين، وقال في" المشارق ": هم النسل لكنه يُطلق أحياناً على النساء والأطفال، ومنه ذراري المشركين؛ أي عيالهم من نسائهم وأبنائهم، وقال في المعجم الوسيط: ( الذّرية) : النسل وأصلها ذريئة فخففت الهمزة) (الجمع: ذراريّ) (وانظر: ذرر)، والذرية: نسل الإنسان، والنساء والصغار. وفي الحديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة مقتولة، فقال: ما كانت هذه تُقاتل , الحق خالداً فقل له لا تقتل ذُرَّية ولا عَسيفاً) صححه الألباني بلفظ :( رأى امرأة مقتولة في بعض الطريق فنهى عن قتل النساء والصبيان) صحيح ابن ماجه ( 2/ 136) رقم الحديث(2293) ( طبعة مكتبة التربية العربي لدول الخليج الرياض الطبعة الثالثة 1408هـ - 1988م). وقال المنذري في حواشيه: نسل الإنسان من ذكر وأنثى. قال في (الصحاح): وهي من ذرأ الله الخلق، أي خلقهم، إلاّ أن العرب تركت همزها.
وقال في المحكم: كان ينبغي أن تكون مهموزة فكثرت، فأسقط الهمز . وقال في (النهاية): وكان الذرْء مختصاً بخلق الذُّرية. وقال في (المشارق): أصل الذريَّة بالهمز من الذرء، وهو الخلق؛ لأن الله تعالى ذرأهم أي خلقهم ,قال ابن دريد: ذرأ الله الخلق ذَرْأً، وهذا ممّا تركت العرب الهمزة فيه. وقال الزبيدي: أصله من النشر من ذَرَّ: أي فَرَّق. وقال غيره: أصله من الذر فُعليَّة منه؛ لأن الله خلقهم أولاً أمثال الذّر، وهو النمل الصغير.
إذا عُلم هذا فالذرية: الأولاد وأولادهم.
وهل يدخل أولاد البنات؛ فمذهب الشافعي ومالك وهو رواية عن أحمد أنهم يدخلون؛ لإجماع المسلمين على دخول أولاد فاطمة في ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، المطلوب لهم من الله الصلاة. وحكى ابن الحاجب من المالكية الاتفاق على دخول ولد البنات، قال: لأن عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام. انتهى.
وشاححه الشراح في نقل الاتفاق، ومذهب أبي حنيفة , ورواية عن أحمد أنهم لا يدخلون واستثنوا أولاد فاطمة عليها السلام لشرف هذا والأصل العظيم والولد الكريم الذي لا بدانيه أحدٌ من العالمين -صلى الله عليه وسلم- وعليهم أجمعين.1
ولهذا فإننا في هذا الموضع سنذكر ذرية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- رزقه الله ذرية من البنين والبنات، فمن البنين ثلاثة وهم : القاسم، وإبراهيم، وعبد الله، وقيل: الطيب، والطاهر، والصحيح أنهما لقبان لعبد الله، وهؤلاء البنين وافتهم المنية وهم في سن الطفولة. وأما البنات فرزقه الله أربع بنات هن: زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم، وهؤلاء البنات من أم واحدة وهي خديجة - رضي الله عنه -. هذه هي ذريته عليه الصلاة والسلام وسنذكرهم هنا بشيء من البسط والتعريف عن كل واحد منهم، والله المستعان وعليه التكلان:
1.القاسم ابن النبي-صلى الله عليه وسلم-:
وُلد بمكة قبل النبوة، ومات بها وهو ابن سنتين وأشهر، وقيل: عمرهُ سبعة أيام، وقيل: سبعة أشهر، وقيل: عاش حتى مشى، وبه كان يُكنى، وأمه خديجة بنت خويلد.
قال ابن سعد في طبقاته( 1/133) : أخبرنا هشام بن حمد بن السائب الكلبيَّ عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: كان أوّل من وُلد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل النبوة القاسم، وبه كان يُكنى، ثم وُلد له زينب، ثمّ رقية، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم، ثم وُلد له في الإسلام عبد الله فسُميّ الطيب، والطاهر، وأمهم جميعاً خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قُصي وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصمّ.. فكان أول من مات من ولده القاسم، ثم مات عبد الله بمكة، فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر فأنزل الله، تبارك وتعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (3) سورة الكوثر.
2. إبراهيم ابن النبي-صلى الله عليه وسلم-:
أمه مارية القبطية، أهداها له المُقوقس، وُلد بالمدينة في ذي الحجة سنة ثمانٍ، ومات بها سنة عشرٍ وهو ابن سبعة عشر شهراً، أو ثمانية عشر شهراً، وكُسفت الشمسُ يومَ مات، فقال الناس: كُسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته)).2 وقال عليه الصلاة والسلام عند موته:(تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون )3، ولما مات قال عليه الصلاة والسلام: (إن له مرضعاً في الجنة).4
وللمزيد , انظر : طبقات ابن سعد الكبرى (1/134-144) ذكر إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم تسليماً-.
3. عبد الله الطيب ابن النبي-صلى الله عليه وسلم-:
هل وُلد قبل النبوة، أو بعدها ؟ فيه خلاف، وصحح بعضهم أنه وُلد بعد النبوة، وهل هو الطيب والطاهر، أو هما غيره؟ على قولين. والصحيح أنهما لقبان له، والله أعلم.
4. زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
هي أول من وُلد من البنات، تزوجها أبو العاص بن الرّبيع، وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام فيه: (حدثني فصدقني، ووعدني فوفّاني)5 فولدت له علياً، وأُمامة، وهي التي حملها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة. وأمُّ زينب خديجة ، وأسْلم زوجها أبو العاص فردَّها النبيُّ عليه الصلاة والسلام على النكاح الأول6 وقيل بل ردّها إليه بنكاحٍ جديدٍ - رضي الله عنهما-. وخرج أبو العاص بن الربيع في بعض أسفاره إلى الشام فذكر امرأته زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنشأ يقول :
ذكرتُ زينب لما وركت إرما | فقلت سقيا لشخصٍ يسكن الحرما | |
بنت الأمين جزاها الله صالحة | وكلُّ بعـل يشـين بالذي علــما |
5. رُقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
وهي البنت الثانية من بنات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمها خديجة، وقد كان تزّوج بها قبل الإسلام عُتبة بن أبي لهب، فلما نزل الوحي، ونزلتْ (تبت يدا أبي لهب وتب)( المسد: 1). قال أبو لهب لولده: رأسي من رأسِك حرام إن لم تطلقها. فطلقها ولم يكن دخل بها، وأسلمت حين أسلمت أمها خديجة، ثم تزوجها عثمان بن عفان - رضي الله عنه -, وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إنهما لأوّل من هاجر إلى الله تبارك وتعالى بعد لوط"7. وولدت له ولداً اسمه عبد الله، وكان يُكنى به في الإسلام، ولما بلغ سنة سنتين ,نقره ديك في وجهه فطمر وجهه فمات، ولم تلد له شيئاً بعد ذلك. مرضت ورسول الله يتجهز إلى بدر فخلف عليها رسولُ اللهِ عثمانَ بن عفان (زوجها) فتُوفيّت ورسول الله ببدر في شهر رمضان على رأس سبعة عشر شهراً من مهاجر رسول الله. (طبقات ابن سعد 8/36).
6. أم كلثوم بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-:
وهي البنت الثالثة من بنات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمها خديجة - رضي الله عنه -، تزوّجها عثمان بن عفان بعد أختها رقية، وماتت عنده، وقال عليه الصلاة والسلام عند موتها: ((لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان))8 وفي رواية (لو كان لي عشرة لزوجتهن عثمان)9 - رضي الله عنه -. وعن أنس بن مالك قال: (رأيت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- جالساً على قبرها , فرأيتُ عينيه تدمعان فقال: فيكم أحد لم يُقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله قال: انزل. البخاري-الفتح (3/180) رقم(1285) , كتاب الجنائز , باب قول النبي-صلى الله عليه وسلم - يُعذَّب الميِّتُ ببعضِ بكاءِ أهلهِِ عليه , ,(يقارف : أي يجامع , والله أعلم)
وعن عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة قال: صلّى عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلس على حفرتها، ونزل في حفرتها عليّ بن أبي طالب والفضل ابن عباس وأسامة بن زيد. الطبقات (8/38).
7. فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم :
أمها خديجة، وهي آخر بنات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحبُّهن إليه، وُلدت سنة إحدى وأربعين من مولده، وقيل: قبل النبوة بخمس سنين، وماتت بعده بستة أشهر.( رواه البخاري : رقم (3623) ( 4/ 1902) كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل فاطمة بنت النبي، ومسلم (2450)( 4/ 1902) كتاب فضائل الصحابة – باب فضائل فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو داود (5217)).
وقيل: لدون ثلاثة أشهر، وقيل: بل لثلاثة أشهر وقيل: لثمانية أشهر، وقيل: تسعين يوماً. وقيل غير ذلك. وتزوّجها علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما-، فولدت له الحسن والحسين، وزينب ومحَسِّناً، وأم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما-. وجهَّزها عليه الصلاة والسلام بجلد وجرّة ورحى.
فهؤلاء أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والحمد لله رب العالمين.
1- "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" ص120-121 مكتبة المؤيد, و"المعجم الوسيط" ص1/310. دار إحياء التراث العربي/ الطبعة الثانية.
2- رواه البخاري (1052) ( 2/ 627) كتاب الكسوف – باب صلاة الكسوف جماعة، ومسلم (907) ( 2/ 626) كتاب الكسوف- باب ما عرض على النبي في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، والموطأ (1/186-187). وأبو داود (1181).
3 - صحيح مسلم ( 4/ 1808) رقم ( 2315) كتاب الفضائل – باب رحمة الرسول الصبيان والعيال ، وتواضعه ، وفضل ذلك.
4- مسلم (2316) ( 4/ 1808) كتاب الفضائل – باب رحمة الرسول الصبيان والعيال ، وتواضعه ، وفضل ذلك بلفظ: إن له لظئرين تكمَّلان رضاعه في الجنة.
5- رواه البخاري (3729)( 7/ 107) كتاب الفضائل الصحابة- باب ذكر أصهار النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو العاص بن الربيع. ومسلم (2449) ( 4/ 1902) كتاب فضائل الصحابة – باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليها السلام، وأبو داود (2069) وابن ماجه (1999).
6- رواه ابن هشام في السيرة 1/658-659) وابن سعد (8/33).
7 -طبقات ابن سعد (8/36).
8- طبقات ابن سعد (8/38),
9- طبقات ابن سعد (8/36).