1. المقالات
  2. الرسول المعلم وأساليبه في التعليم _ عبد الفتاح أبو غُدّة
  3. حَضُّه صلى الله عليه وسلم على محوِ العاميّة وتحذيرُه من الفتور في التعليم والتعلُّم

حَضُّه صلى الله عليه وسلم على محوِ العاميّة وتحذيرُه من الفتور في التعليم والتعلُّم

حَضُّه صلى الله عليه وسلم على محوِ العاميّة وتحذيرُه من الفتور في التعليم والتعلُّم

 

ولا غرابة أن يَتخرَّجَ على يديه صلى الله عليه وسلم هذا العددُ الجمُّ الغفيرُ من الناس ، في فترة وجيزةٍ من الزمن ، فإنه قد سَلَك بهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسلكَ التعليم الجَماعي المستَنْفَر ، ودَفَعَهُم إلى محْوِ العاميّةِ دَفْعاً ، وحَضَّهم على ذلك ونَدَبَهم إليه ، وحذَّرهم من الفُتور فيه تحذيراً شديداً .

ولذلك أقبل أولئك الناس يَتلقَّون العلم ، ويتفقَّهون في الدين ، ويُعلِّم بعضهم بعضاً ، ويتعلَّم بعضهم من بعض ، حتى أزالوا العاميّة عنهم في وقتٍ قصير عاجل .

 

 

أورد الحافظ المُنْذِري في كتابه ((الترغيب والترهيب)) ، في كتاب العِلْم ، في (باب الترهيب من كَتْمِ العلم) ، وكذلك الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) ، في كتاب العلم أيضاً ، في (باب تعليم من لا يَعْلَم)1الحديث الشريف التالي :

 

4 ـ عن علقمة بن سعد بن عبد الرحمن بن أَبْزى ، عن أبيه ، عن جدِّه : عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: ((خَطَب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم ، فحمِدَ الله وأثنى عليه ، ثم ذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم خيراً ، ثم قال : ما بالُ أقوامٍ لا يُفَقَّهون جيرانَهم؟! ولا يُعلِّمونهم؟! ولا يُفَطِّنونهم2؟! ولا يَأمُرونهم؟! ولا يَنْهَوْنَهم3؟! . 

وما بال أقوام لا يتعلَّمون من جيرانِهم؟! ولا يتفقَّهون؟! ولا يتفطَّنون4؟! .

واللهِ ليُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم ، ويُفقِّهونهم ، ويُفطِّنونهم ، ويأمُرونهم ، وينهونهم . وليتعلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون ، ويتفطَّنون ، أولأُعاجِلَنَّهم  العقوبة في الدنيا .

ثم نزل فدخل بيته ، فقال قوم : من تروْنَه عنى بهؤلاء؟ قالوا : نراه عنى الأشعريّين ، هم قومٌ فقهاء ، ولهم جيرانٌ جُفاةٌ من أهلِ المياهِ والأعراب5. فبلغ ذلك الأشعريين ، فاتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، ذكرت قوماً بخير ، وذكرتنا بشر ، فما بالُنا؟

 

فقال : لَيُفَقِّهَنَّ قوم جيرانهم6، وليُفطِّنُنَّهم ، وليَأمُرونَّهم ، ولينْهَوُنَّهم ، وليتعلَّمَنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون ، ويتفطَّنون ، أولأُعاجِلَنَّهم  العقوبة في الدنيا .

فقالوا : يا رسول الله أنُفَطِّنُ غيرنا؟ فأعاد قولَه عليهم ، فأعادوا قولهم : أنُفَطِّنُ غيرنا؟ فقال ذلك أيضاً .

فقالوا : أمهِلنا سنةً ، فأمهلَهم ينة ليُفقِّهوهم ، ويُعلِّموهم ويُفطِّنوهم .

 

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْيَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)7. انتهى8. وقال شيخنا وأستاذنا العلامة الجليل مصطفى الزرقا حفظه الله تعالى في كتابه العظيم ((المدخل الفقهي العام))9، تعليقاً على هذا الحديث الشريف ما يلي : ((إنّ هذا الموقف العظيم في اعتبار التقصير في التعليم والتعلُّم جريمةً اجتماعية ، يستحق مرتكبُها العقوبة الدنيوية : موقفٌ لم يَرْوِ التاريخ له مثيلاً في تقديس العلم ، قبلَ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعده .

 

ويدخل في ارتكاب المنكَر و استحقاقِ العقوبةِ التعزيريةِ عليه : إهمالُ الواجبات الدينية ، ومن جملتِها : التعليمُ والتعلُّم . فإذا قصَّر العالم في واجب التعليم ، أو قصَّر الجاهل في تعلُّم القدر الواجب شرعاً من العلم : استحقّا عقوبة التعزير على التقصير .

 

 

5 ـ ((طَلَبُ العلم فريضة على كل مسلم))10. ولفظُ (اللمسلم) هنا : يَشمَلُ الرجلَ والمرأة ، لأن الحكمَ مَنُوط بصفةٍ مشتركةٍ هي الإسلام)) . انتهى كلامُ شيخنا مصطفى الزرقا أمتع الله به ورعاه .

وأُضيفُ إليه فيما يتعلَّق بحديث ((طلبُ العلم فريضة على كل مسلم)) : أنه لما ناط النبي صلى الله عليه وسلم فَرْضَ طلبِ العلم باتصافِ المرء بالإسلام ـ رجلاً كان أو امرأة ـ ، كان في ذلك تنبيهٌ منه صلى الله عليه وسلم على ان كل من انتَسَب إلى الإسلام لزِمَه طلبُ العلم وتحصيلُه ، إذ لا جَهْلَ في شِرْعَةِ الإسلام الذي أوَّلُ كلمةٍ من كتابه نزلت تقول : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) .

 

--------------------------------------------------------------------------------

1 ـ ((الترغيب والترهيب)) 1 : 86 ، و((مجمع الزوائد)) 1 : 164 . وذكره السيوطي في ((الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور)) 2 : 301 فقال : ((أخرج ابن راهُوْيَهْ والبخاري في (الوحدانيّات) ، وابن السَّكَن وابن مَنْدَه والبارودي في (معرفة الصحابة) ، والطبراني وأبو نعيم وابن مَرْدُوْيَه ، عن ابن أبْزى ، عن أبيه... )) . وقد صحَّحتُ بعض ما وقع في هذا الحديث ، ومن تحريفٍ في بعض الكتب عن بعضها .

2 ـ في رواية ((الترغيب والترهيب)) هنا وفي كل ما يأتي : (ولا يَعِظونهم) .

3 ـ أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ...) ، إلى عِظَم حقهم على إخوانهم العالمين ، وجيرانهم العارفين ، وذلك لحق أُخوّة الإسلام بينهم ، ولحقّ الجِوار معها أيضاً .

وحقُّ الجوار في الإسلام كاد يكون بمنزلة حق الرحم الموجِب للميراث : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننتُ أنه سيُورِّثُه)). فقد نبَّه عليه الصلاة والسلام بهذا على أن الجار قارَبَ أن يكون وارثاً من مال جاره ، بسبب الجوار ، وهو قُربُ الدار .

وللجوار مراتب : منها المُلاصَقة ، ومنها المخالَطة ، بأن يَجمعهما مسجدٌ أو مدرسة أو محلة أو سوق أو نحوُ ذلك ، والميراث قسمان : حِسّي ومعنوي ، فالحسّي هو المال ، والمعنوي هو العلم ، فإن حقَّ الجار على جاره تعليمُه ما يجب وما ينفع ، وأنفَعُ ما ينفع هو العلم ، فهو من آكد حقوق الجار على الجار ، صلواتُ الله وسلامُه على معلِّم الناس الخيرَ ، وهادي البشر جميعاً .

4 ـ في ((الترغيب)) هنا وفي كل ما يأتي (يَتَّعِظون) .

5 ـ أي من سكّان البادية .

6 ـ وفي روايةٍ : (وليُعَلِّمَنَّ) .

7 ـ من سورة المائدة ، الآيتان 78 ـ 79 .

8 ـ قال الحافظ ابنُ السَّكَن : ((إسنادُ هذا الحديث صالح)) ، كما نقله في ((كنز العمال)) 3 : 685 الحافظ المنذري : ((رواه الطبراني في (الكبير) عن بُكَير بن معروف ، عن علقمة)) .

وقال الحافظ الهيثمي : ((رواه الطبراني في (الكبير) وفيه بُكَيْر بن معروف ، قال البخاري : ارْمِ به ، ووَأحمد في رواية ، وضعَّفه في أخرى . وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به)) .

فعلى هذا يكون سَندُ الحديث ضعيفاً إن لم نَعتَدَّ بالرواية عن أحمد في توثيقه ، وإن اعتَدَدْنا بها فهو حديثحسن أو يُقارِبُ الحَسَن . وهذا الذي جَزَم به الحافظ المنذري في ((الترغيب والترهيب)) فإنه أورده فيه بلفظ ((عن علقمة ...)) . =

= واصطلاحُه في هذا التعبير كما أفصَحَ عنه في أول كتابه ص 3 بقوله : ((فإذا كان إسنادُ الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما : صدَّرتُه بلفظة (عن) . وإذا كان في الإسناد من قيل فيه : كذّاب ... أو ضعيفٌ فقط ، أو لم أر فيه توثيقاً بحيث لا يَتطرَّقُ إليه احتمال التحسين : صدَّرتُه بلفظة (رُوي) . ولا أذكر ما قيل في ذلك الراوي البتة . فيكون للإسناد الضعيف دلالتان : تصديره بلفظة (رُوي) ، و: إهمال الكلام عليه في آخره)) . انتهى .  

فالحديث حسنٌ أو يُقارِبُه عند الحافظ المنذري . والحمد لله رب العالمين .

9 ـ 2 : 641 من الطبعة السابعة ، في الفقرة 335 .

10 ـ رُوي بطرقٍ كثيرةٍ ، وقد حسَّنها الحافظ المِزّي ، وحَكَم السيوطي رحمه الله تعالى بصحته ، وقد جَمَع في طرقه جزءاً ، كما في ((فيض القدير)) للمناوي 4 : 267 .

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day