البحث
الرسول الأعظم بين الإسلام والغرب
الرسول الأعظم بين الإسلام والغرب
"ce fut certainement un tres-grand home…conquerant.legislateur, monarque et pontife, il joua le plus grand role qu'on puisse jouer sur la terre aux yeux du commun des homes"
" لقد كان بالتأكيد رجلا عظيماً جدا... مشرّع فاتح، حكيم، إمام. لقد قام بأعظم دور يمكن أن يقوم به إنسان على ظهر الأرض."
فولتير
العظمة هي القدر العالي الذي يُقدَّر به الشيء، أو المكانة التقديرية الكبيرة والمرتبة الرفيعة التي يوضع فيها أعلام البشر جزاء ما قدموا لأممهم وشعوبهم خاصة، أو للإنسانية عامة. وبذلك تكون العظمة مكانة استثنائية معبرة عن التفاوت في القدر بين مَنْ يتبوأها وبين بقية إخوانه من بنى البشر. وهذا التفاوت والتفاضل في الدرجات بين بني البشر حقيقة أصيلة قررها الإسلام من خلال مصدريه:
الكتاب العزيز والسنة المطهرة في أكثر من مقام وبأكثر من طريقة ليس هذا موضع بسطها.
وقد كانت مسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأحوال أمته قبل بعثته، ووقائع حياته صلى الله عليه وسلم المتصلة بالبلاغ والتبليغ هى المرآة التي عكست قدر النبي صلى الله عليه وسلم ، واستحقاقه منقبة العظمة في الإسلام.
ولم يكن المرشد الإلهى الأول إلى تلك المنقبة سوى القرآن الكريم والسنة المطهر إذ بيّن القرآن منذ البداية ثقل المهمة المنوط بها النبي صلى الله عليه وسلم . قال تعالى: ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ (سورة المزمل: الآية٥)، تلك المهــمة التي يزيد من حدة ثقلها اتساع مجال إبلاغــها الذي يشمل العالمــــين ويستهدف رحمة البشرية برمتها. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (سورة الأنبياء، الآية۱٠۷). فما أشقها مهمة أن يُكلَّف شخص النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير مسار العالم الديني بما أُوحى إليه. قال تعالى: الر ۚ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (سورة إبراهيم: الآية١).
لذلك فقد تطلبت هذه المهمة الفريدة في تاريخ البشرية الديني وتاريخ الرسالات السماوية طبيعة فريدة لشخص القائم بها، ومكانة متفردة تناسب دوره ومهمته، وهو ما قرره القرآن الكريم لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعلى الرغم من كونها شخصية بشرية خالصة، فإنها أُعدَّت برحمة الله، فلانت للبشر فاجتمعوا حولها قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (سورة آل عمران:الآية١٥٩).
وكان هذا اللين إلى جانب سمات خلقية أُخر اجتمعت في شخص النبي صلى الله عليه وسلم قد كفلت له صلى الله عليه وسلم شهادة إلهية وتزكية ربانية بأنه الرسول الأعظم خلقياً. قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (سوره القلم، الآية:٤).
وبهذه الشخصية النبوية المتفردة استحق الرسول الأعظم مكانة استثنائية بين الأنبياء والرسل وبين بني البشر، وذلك في الدنيا والآخرة: فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق كما عنون الإمام مسلم في صحيحه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع)(۱)، وهو خاتم الرسل وأفضلهم، كما أخبر صلى الله عليه وسلم " فُضَّلتُ على الأنبياء بست: أُعطيتُ جوامع الكلم، ونُصرتُ بالرعب، وأُحلَّت لى الغنائم، وجُعلِتْ لى الأرض مسجداً وطهوراً، وأُرسلتُ إلى الخلق كافة، وخُتِم بي النبيون" (2). ولم يكن لمثل هذه الشخصية الفريدة العظيمة إلا أن تكون مثالاً يُحتذى وقدوة تُقتدى وأسوة تُتَّبع، كما أشار القرآن الكريم، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (سورة الأحزاب: الآية٢١).
وهو ما لا يمكن تحققه إلا برفعة ذِكْره صلى الله عليه وسلم ، ذلك الأمر المقرون بأيام الدهر كلها وليس حال حياته صلى الله عليه وسلم ، فمهمة التاريخ هى الإشادة بمآثر ذي المآثر بعد وفاته وليس السير بذكرها حال حياته فحسب ولذلك كان تاريخاً.
وقد تكفل الله تعالى برفعه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (سورة الشرح: الآية ٤)، فانطلقت الألسنة تلهج بعظمة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في كل محفل وزمان ومكان، وسوَّدت صفحات التاريخ بجلال قدره،وعظمة شخصيته، وعظيم جهاده، وكريم، أعماله وجزيل خدماته للإنسانية بأسرها.
ولم يكن الغرب وحضارته وفكره بدعاً في ذلك، فقد أنطق الله الذي انطق كل شىء ألسنة وأقلام المنصفين من أبنائه بمحامد الرسول الكريم وفضائله، فلم يُمَار أولئك المنصفون في مكانة الرسول الأعظم، لكنهم اختلفوا حول مرتبة تلك العظمة، وجوانبها، ودواعي استحقاق الرسول الأعظم لها، وذلك على النحو الأتى:-