البحث
أعظم عظماء التاريخ
أعظم عظماء التاريخ:
لا شك أن تصنيف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مرتبة الأعظم بين بني البشر أمر مدهش من جهتين:
الجهة الأولي: المكان
فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الأعظم في الإسلام باصطفاء الله تعالى له وبإرساله رحمة للعالمين؛ ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وقد استطاع أن يقف أمام العالم أجمع داعياً إلى عبادة الله وحده لا شريك ونبذ كل عبادة سوى عبادته، وواجه في ذلك منفرداً صناديد قريش وكفرها وجهالاتها، وواجه عباد الأصنام والكواكب وغيرهم، وعاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء، وجاء برسالة لو لم تكن دينا لكانت أسمى الأخلاق وأرقى التعاليم، وهذا أمر مسلّم به في الشرق المسلم.
لكن مثار الدهشة أن يأتي ذلك التصنيف من جهة الغرب المثقل بكاهل الفكر القروسطي وأسير الثقافة غير الودية تجاه نبي الإسلام.
الجهة الثانية: الزمان
قد يتبادر إلى الذهن أن بداية ذلك التصنيف ترجع إلى محاضرة توماس كارليل thomas carlyle عام 1840م عن البطل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، عندما جعل البحث في معايير عظمة محمد التي جعلته جديراً باختياره نموذجاً للبطولة في شكل النبي، عندما جعل ذلك يتمحور حول الوضع الذي وجد محمد صلى الله عليه وسلم فيه نفسه من أجل أداء رسالته، وهو(۱):
"one man alone of the whole world"
"رجل واحد في مقابل جميع العالم"
فلما استطاع ذلك الرجل بتأييد الله له، وبصدق عزيمته، وبإخلاصه في دعوته أن يقف ضد الجميع وينتصر للحق، فإن ذلك هو الرجل الأنسب لاختياره أعظم العظماء، وإذا أضفنا إلى ذلك أن كارليل بمحاضرته عن البطل النبي كان هو النقطة المفصلية الفارقة بين مرحلة الفكر الأسطوري القروسطي وبين مرحلة الفكر التاريخي العقلاني حول نبي الإسلام. نظراً لما امتازت به المحاضرة من وضوح ومباشرة واستقلال وقوة في البرهنة والاستدلال.
لأجل ذلك كله فإنه من المدهش أن تكون بداية التصنيف أسبق من كارليل، والأكثر دهشة أن يكون أول مَنْ وضع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المرتبة هو الفرنسي فولتير، ذلك لأن فولتير (1) هو صاحب واحدة من أكثر الأطروحات والكتابات القروسطية العدائية ضد النبي محمد ، وهى مسرحيته الشهيرة: le fanatisme ou mahomet le prophete التعصب أو النبي محمد، التي عرضت في مدينة ليل lille بفرنسا عام 1741م، وعندما عرضت في باريس تسببت في فضيحة توقفت بعدها عن العرض بعد ثلاثة أيام؛ نظراً لأن النقاد والمراقبين قد اكتشفوا أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم قد اتُخذت في المسرحية ستاراً لنقد الكنيسة الكاثوليكية ورجالها.
ويزيد الأمر دهشة أن تلك المسرحية المشئومة قد تُرجمت للغة الألمانية وعرضت على مسرح فايمار weimar عام ۱۷۹۹م، وكان القائم على تلك الترجمة أعظم شعراء ألمانيا على مدار تاريخها وواحد من أعظم شعراء أوربا الشاعر geothe جيته(1)؛ نزولا على طلب راعيه الأمير كارل أوجست إحياء ليوم ميلاد والدته الدوقة لويزا، مما جعل جيته عرضة لتأنيب صديق عمره هردر g.herder وزوجته كارولين هردر caroline herder اللذين ثارا عندما شاهدا العرص ثورة عنيفة على خيانة جيته لصدقه مع نفسه عندما قدم النبي محمداً بهذه الطريقة المنافية للحقيقة التاريخية.
ومثار الدهشة هنا أن مؤلف المسرحية (فولتير) ومترجمها للألمانية (جيته) كليهما قد صحّحا خطأيهما، وقاما بدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم دراسة علمية تاريخية قادتهما إلى أن يكونا رائدي حركة التنوير الغربي التي أعادت للنبي صلى الله عليه وسلم اعتباره في الغرب في مواجهة فكر الجهالة القروسطي.
ففي مقالته الموسومة بـ: essai sue l'histoire generale et les moeurs et l;espirt des nations محاولة في التاريخ العام لأخلاق الأمم وروحها، المنشورة عام 1756م امتدح فولتير النبي محمداً صلى الله عليه وسلم من خلال دراسة مقارنة مع سيرة أصحاب الشرائع ومؤسسي الديانات، معتبراً النبي صلى الله عليه وسلم أحد المشّرعين الثلاثة العظام في تاريخ العالم. ويتدرج فولتير في مديحه، ليفضَّل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم على المسيح عيسى في بعض جوانب الرسالة والصفات الشخصية، قائلاً(۱):
"de moins mahomet a ecrit et combattu; et jesus n'a su ecrire, ni se defender. mahomet avait le courage d'alexandre avee l'avec l'esprit de numa; et votre jesus a sue sang et eau des qu'il a ete condamne par ses juges. le mahometisme n'a jamais change, et vous autres vous avez change vingt fois toute votre religion"
" إن أقل ما يقال عن محمد إنه قد جاء بكتاب وجاهد، أما عيسى فلم يترك شيئاً مكتوبا، ولم يدافع عن نفسه، لقد امتلك محمد شجاعة الإسكندر وحكمة نوما، أما عيسى فقد نزف دماً بمجرد أن أدانه قضاته، ومحمد لم يغيَّر رسالته، لكنكم ورجال دينكم غيرتم دينكم عشرين مرة"
ثم يصل بمديحه إلى الذورة، إلى أقصى مدى يمكن أن يصل إليه غربي، فيقرر لأول مرة في تاريخ الغرب أن محمداً صلى الله عليه وسلم أعظم رجالات الإنسانية. يقول فولتير(1):
"ce fut certainement un tres-grand home…conquerant. legislateur, monarque et pontife, il joua le plus grand role qu'on puisse jouer sur la terre aux yeux du commun des homes"
" لقد كان بالتأكيد رجلا عظيماً جدا... مشرّع فاتح، حكيم، إمام. لقد قام بأعظم دور يمكن أن يقوم به إنسان على ظهر الأرض."
كما كان الشاعر الكبير (جيته) هو من نقل مسرحية فولتير المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم من الفرنسية للألمانية، فإنه كان كذلك من نقل تصنيف النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة أعظم رجال الإنسانية من فرنسا إلى بقية بلدان أوربا من خلال أشعاره وكتاباته التي فاضت بالمديح والثناء العاطر على الإسلام وكتابه ورسوله خاصة في مؤلفه العظيم" الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" west-oestlicher diwan الذي سنتوقف عنده طويلا في المبحث الثاني والثالث إن شاء الله.
وسنكتفي هنا بالإشارة إلى مقولته الشهيرة التي جعل فيها محمداً سيد العالم، قائلا(1):
"und so muss das rachet scheinen was auch mohamet gelungen; nur durch den begriff des einmen hat er alle welt bezwungen"
"وهكذا يجب أن يسطع الحق الذي بَلَغه محمد كذلك، فبالتوحيد وحده ساد العالم"
وإذا كان جيته الألماني قد تبنى تصنيف محمد صلى الله عليه وسلم في مرتبة الأعظم في تاريخ الإنسانية، بوصفه مشروعاً فكرياً، واختياراً أيديولوجياً، وقناعة ذاتية تعددت مظاهر وأشكال وأدوات التعبير عنه في هيئة: أشعار، خطابات، مكاتبات، تصريحات وتقريرات قصيرة وموجزة ومعبرة.
فإن قامة فكرية وأدبية كبرى أخرى مثل الشاعر الفرنسي الكبير ألفونسو لامارتينalphonse de lamartine في كتابه تاريخ الأتراك: geschichte der turkie عام 1854م، قد نفى بعزم وبحزم احتمال وجود شخص آخر في العالم يجرؤ على مقارنة محمد في مرتبة عظمته بأى مخلوق في تاريخ الإنسانية؛ لأنه الأعظم على مدار التاريخ بلا منازع، يقول لامارتين lamartine (۱):
" nie hat ein mensch in kurzerer zeit eine so gewaltige und dauerhafte revolution in der welt hervorgebracht […] wenn die grobe des vorhabens, die durftigleit der mittel und das ausmab des erreichten der dreifache mabstab sind, woran menschliches genie gemerren wird, wer wurde es da wagen, in menschlicher hinsicht eine grobe personlichkeit der modernen geschichte mit mohanmed zu vergleichen? […] philosoph, redner, apostel, gesetzgeber, kreiger, uberwinder von ideen, wiederaufrichter, rationaler dogmen einer religion ohne bilder, grunder von zwanzig weltlichen imperien und eines geistlichen, voila, das ist mohammed! an welchem mabstab auch immer man menschliche grobe misst; welcher mann war grober al ser?"(alphonse de lamartine in seiner geschichte der turkei, erschienen 1854; lamartine 1854, s.277 u. 280)
" لم يحدث في العالم أن قام إنسان في مثل هذا الوقت القصير بهذا التغيير الهائل والمستمر... فإن كانت عظمة الغاية وقلة الوسائل، والنتائج المذهلة، هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان، فمن الذي يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد؟.... حكيم، وخطيب، ورسول، ومشرع، ومحارب، وهادم للأفكار الخاطئة، ومحيي المعتقدات العقلانية، ومحيي العبادة بلا أصنام ولا صور، ومؤسس عشرين إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية.
ذلكم هو محمد، وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل: هل يوجد أي إنسان أعظم منه!؟"
ومن فرنسا وألمانيا انتقل تصنيف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مرتبة أعظم البشر إلى بريطانيا خلال عصر الأنوار. فظهر عام 1875م في لندن كتاب في تاريخ الفكر الأوربي بعنوان a history of the intellectual development of europe تاريخ تطور الفكر الأوربي لمؤلفه الدكتور جون وليم درابر طبيب ودكتور في الحقوق john william draper وفيه يؤرخ لمولد النبي صلى الله عليه وسلم قائلا(1):
"four years after the death of justinian a.d.569, was born at mekkah, in arabia the man who, of all men exercised the greatest influence upon the human race…mohammed."
"بعد أربع سنوات من وفاة يوستينياس عام 569 بعد الميلاد، ولد في مكة في جزيرة العرب الرجل الذي كان له من بين جميع الرجال أعظم تأثير على الجنس البشري، محمد".
ثم يقطع الأديب الكــبير بوزورث ســميث(1) bosworth smith في كتابه mohammed and mohammedanism محمد والمحمدية، بتفرد النبي صلى الله عليه وسلم في تاريخ البشرية، قائلاً(2):
"by a fortune absolutely unique in history, mohammed is a threefold founder of a nation, of an empire and of a religion"
" من حسن الحظ إنه لأمر فريد على الإطلاق في التاريخ، أن محمداً مؤسس ثلاثة أشياء: الأمة والإمبراطورية والدين."
ويبدو أن بريطانيا قد أبت هي الأخرى إلا أن تمثلها قامة عملاقة في تصنيف محمد صلى الله عليه وسلم في مرتبة أعظم العظماء، شأنها في ذلك شأن فرنسا وألمانيا.
فكان جورج برنارد شو(3) george bernard show أديب بريطانيا الكبير ذو المؤلفات العديدة حول الإسلام، صاحب دعوة جديدة إلى تطوير لقب أعظم العظماء إلى لقب جديد يعبر عن قيمة الدور الذي قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأجل خير البشرية وهو لقب ( منقذ البشرية). يقول برنارد شو(2):
" i have studied him-the wonderful man-and in my opinion far from being an antichrist, he must be called the saviour of humanity"
" لقد درست الرجل الفذ، وفي رأيي أنه يجب أن يُدْعى منقذ البشرية، فهو بعيد كل البعد من أن يدعى ضد المسيح"
ولا يمكن مغادرة المملكة المتحدة دون الإشارة إلى تصنيف المستشرق الإنجليزي روم لاندو(1) rom landau يقول روم لاندو(2):
" when muhammad died in 632, the success of islam completely vindicated the faith of khadijah in the revelation that her husband had received, and the new monotheistic creed was on the road to spiritual and physical conquest unparalleled in human history"
" عندما توفي محمد عام 632م كان في نجاح الإسلام التام ما زكّى إيمان خديجة بالوحي الذي تلقاه زوجها، وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة في سبيلها إلى القيام بفتح روحي ومادّي لا يضارعه أي فتح في التاريخ البشري."
ومن المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة بلد العجائب والغرائب وزعيمة العالم المعاصر انتقل تصنيف النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة أعظم عظماء الإنسانية نقلة نوعية تماثل النقلة التي أحدثها كتاب توماس كارليل عن البطولة والأبطال.
وذلك لأن التصنيف الأمريكي قد حمل سمات حلّقت به عاليا وجعلته يماثل تأثير تصنيف كارليل، وتتمثل السمات في:
1-التاريخانية أي الإطار التاريخي المقارن الذي جاء فيه التصنيف من خلال التتبع التاريخي للحضارات ومشيديها والأفكار والمخترعات والمنجزات وصانعيها، والأديان والمذاهب ومؤسسيها، والعلوم والمعارف ومبدعيها.
2-الاستقلال حيث جاء هذا التصنيف في إطار التصدي لمهمة استقصاء أعظم رجال الإنسانية.
3-الأكثر انتشاراً لأن أوعية نشره كانت الأوسع انتشاراً والأكثر شهرة.
وكان صاحب التصنيف الأول هو المؤرخ الأمريكي الأشهر بين مؤرخي الحضارات في العالم ول ديورانت(1) will durant في كتابه الأشهر بين كتب تاريخ الحضارات: قصة الحضارة the story of civilization في المجلد المسمى: عصر الإيمان the age of faith.
وتكمن قيمة شهادة ول ديورانت وشهادته في كونها نتيجة بحث ودراسة استمرت نصف قرن من الزمان شملت تاريخ الحضارات الإنسانية المتعاقبة ورجالاتها وأبطالها وأفكارها وعقائدها؛ كما أنها دراسة توفر لها ما لم يتوفر لبحوث ودراسات أخر من جهة القدر الكبير من الكتب والمخطوطات والمصادر الإسلامية وغير الإسلامية التي نُشرت وحقَّقت، مما مكَّن ول ديورانت will dutant من إصدار حكم موضوعي على أسس علمية راسخة. يقول ديورانت(1):
" if we judge greatness by influence, he was one of the giants of history. he undertook to raise the spiritual and moral level of a people harassed into barbarism by bear and foodless wastes, and he succeeded more completely than any other reformer, seldom has any man so fully realized his dream. he accomplished his purpose through religion not only because he himself was religious, but because no other medium could have moved the arabs of his time"
" إذا حكمنا على العظمة بقدر ما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ. فقد أخذ على نفسه أن يرتقي بالمستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به حرارة الجو وجدب الصحراء في دياجير الظلام. وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يقاربه فيه أي مصلح أخر في التاريخ كله، فقلَّ أن تجد إنساناً غيره قد حقّق كل ما كان يحلم به. وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه."
وقد يظن ظان أن نص ديورانت يضع النبي في مرتبة أحد العظماء وليس أعظم العظماء، لكن نهاية النص تؤكد على أن مقصده مرتبة أعظم العظماء، وذلك ما أكّده مرة أخرى في الفصل الذي عقده عن القرآن والأخلاق، قائلا(1):
"no reformer ever more actively taxed the rich to help the poor. every will was expected to leave something to the poor; if a man died intestate his natural heirs were directed to give a part of their inheritance to charity."
" ولسنا نجد في التاريخ مصلحاً فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد لإعانة الفقراء، وكان يحضُّ كل مُوْصٍ بأن يخصص من ماله جزءاً للفقراء، وإذا مات رجل ولم يترك وصية فرض على ورثته أن يخصصوا بعض ما يرثون لأعمال الخير."
وجاء التصنيف الأمريكي الثاني في المنبر الأوسع انتشاراً في العالم وهو مجلة تايم الأمريكية في عددها الذي خصصته للإجابة عن السؤال الشائك: مَنْ هم أعظم قادة التاريخ البشري؟ وقد تصدى جولز ماسيرمان(1) jules masserman للجواب عن السؤال الشائك استناداً إلى عدد من المعايير العلمية التي سنعرضها لاحقاً في المبحث التالي من كتابنا، ويأتي تصنيف ماسيرمان على قدر من الأهمية والخصوصية لوجوه:
أولها: أنه اختصاصي في علم النفس والتحليل النفسي وهى كلها علوم وأمور ذات تعلق بالوحي من جهة الوعي به وطرائق تلقيه واستقباله والظواهر المتعلقة بذلك وهى مسائل كانت محلاً للمطاعن والشبهات المثارة حول رسول الإسلام .
الثاني: أن صاحب التصنيف يهودي غربي مما يعيد إلى الواقع التواصل في الحق بين المنصفين القدامى من أحبار اليهود مثل عبدالله بن سلام وغيره الذين أنصفوا رسول الإسلام ثم انضموا إلى ركاب الحق معه، وبين المنصفين المعاصرين مما يؤكد وحدة الحق وأحاديته، وأن النفس إذا ارتقت فوق تحيزاتها لا تملك إلا الانصياع له.
الثالث: أن الشرفاء والشجعان لا يخلو منهم زمان أو مكان، إذ من الصعب أن تخرج بتصنيف يقدم محمداً صلى الله عليه وسلم على موسى وعيسى في وطن مثل أمريكا، ولدىإعلام مثل إعلامها، وبين جماعات ضغط مثل جماعاتها، مما قد يكلف الإنسان الكثير.
وقد أجاب ماسيرمان massermon عن السؤال الشائك بالجواب التالي(1):
" leaders must fulfill three functions…. provide for the well-being of the led, provide a social organization in which people feel relatively secure, and provide them with one set of beliefs.
people like pasteur and salk are leaders in the first sense. people like gandhi and confucius on one hand, and alexander, caesar and hitler on the other, are leaders in the second and perhaps the third sense. jesus and buddha belong in the third category alone.
perhaps the greatest leader of all times was mohammed, who combined all three functions.
to a lesser degree moses did the same."
"يجب على القادة استيفاء ثلاث مهام:
1. توفّر التكوين القيادي الصحيح في شخص القائد.
2. تهيئة النظام الاجتماعي الذي يحقق الأمن والأمان للناس.
3. إمداد الناس بمجموعة موحّدة من المعتقدات.
إن أمثال باستير وسالك كانوا قادة بالمفهوم الأول، وأناساً مثل غاندي وكونفوشيوس من جهة، والإسكندر وقيصر وهتلر من جهة أخرى كانوا قادة بالمفهوم الثاني وربما الثالث، أما عيسى وبوذا فينتمون إلى العظمة من النسيق الثالث وحده.
وربما بكون أعظم القادة في كل العصور هو محمد الذي جمع بين المهام والمفاهيم الثلاثة كلها. وقد فعل موسى الشيء نفسه بدرجة أقل."
أما التصنيف الأمريكي الأشهر والأوقع؛ لكونه الأكثر حداثة؛ ولكونه الأكثر تحديدا واختصاصا بمسألة تصنيف العظماء وتحديد أعظمهم، وذلك من خلال دراسة مستقلة في الموضوع ذاته تحت العنوان نفسه، فهو تصنيف مايكل هارت(1) michael h.hart في كتابه:
the 100, a ranking of the most influential persons in history المائة: تصنيف الأشخاص الأكثر تأثيراً في التاريخ.
وإذا كان الأمريكي كارل إرنست قد وجد صعوبة في نشر كتاب إيجابي عن محمد ، فكم هو هائل قدر المصاعب التي تواجه كتاباً يتضمن تصنيفاً هو الأبرز والأعلى والأدق إعلانا لشخص الأعظم في تاريخ البشرية رسول الإسلام محمد .
ولما لم يكن ذلك بالأمر الخافي أو المُلْبس أو الهين فقد عبر عنه مايكل هارت بوضوح في صدر كتابه وتصنيفه قائلاً(2):
"my choice of muhammad to lead the list of the world's most influential persons may surprise some readers and may be questioned by the others, but he was the only man in the history who was supremely successful on both the religious and secular levels.
of humble origins. muhammad founded and promulgated one of the world's great religions, and became an immensely effective political leader. today, thirteen centuries after his death, his influence is still powerful and pervasive."
"إن اختياري محمداً؛ ليكون على رأس قائمة الأشخاص الأعظم تأثيراً في العالم قد يُدهش بعض القراء، وقد يثير التساؤلات لدى آخرين، لكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق النجاح الأسمى على المستويين الديني والدنيوي كليهما. فعلى الرغم من النشأة المتواضعة أسس محمد ونشر أعظم الأديان في العالم، وأصبح واحداً من قادة العالم السياسيين العظام؛ واليوم بعد مرور ثلاثة عشر قرناً على وفاته لا يزال تأثيره قوياً وعارماً.
بعد أن بيّن مايكل هارت صعوبة الإعلان والنشر لمثل هذا التصنيف الذي يضع محمداً على رأس قائمة عظماء العالم أخذ في استعراض مبرراته ومعاييره التي جعلته يضع محمداً في صدارة قائمة تضم المسيح عيسى، وذلك أمر ليس بالهيّن في وقت صدور الكتاب، فكيف يكون الحال لو أن هذا الكتاب قد تأخر ظهوره إلى ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وحقبة الحرب على الإرهاب!؟.
وبعد أن يقدم مايكل هارت معاييره وأدلته الثبوتية التي يبرهن من خلالها على تصنيفه، يقرر في حسم تفرد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عظمته وتحليقه بتلك العظمة فوق متناول جميع العبر، قائلا(1):
"we see, then, that the arab conquests of the seventh century have continued to play an important role in human history, down to the present day. it is this unparalleled combination of secure and religious influence which i feel entitles muhammad to be considered the most influential single figure in human history."
" نحن نرى – لذلك - أن الفتوحات العربية التي تمت في القرن السابع استمرت تلعب حتى يومنا هذا دوراً هاماً في تاريخ البشرية، وأن هذا الاتحاد الفريد الذي يجمع بين التأثير الديني والدنيوي معاً يستوجب علينا أن نعدّ محمداً الشخص المنفرد الأعظم تأثيرا في تاريخ البشرية."