البحث
حلف المطيبين وحلف الفضول
10266
2011/07/14
2024/12/21
حلف المطيبين وحلف الفضول
أسس قريشيون - قبل البعثة -،حلفين أو هيئتين إصلاحيتين، بهدف نصر المظلومين وردع الظالمين .
الحلف الأول :
هو حلف الْمُطَيّبِينَ، وسبب تأسيس هذا الحلف أن فريقًا من قريش أجمعو على أن يأخذوا من بني عبد الدار الحجابة – أي شرف خدمة الكعبة -، واللواء – أي شرف حمل اللواء في الحروب -، والسقاية – أي شرف سقي الماء للحجيج، فهذه المكرمات الثلاثة لم تجتمع في أي عائلة من عائلات العرب سوي بني عبد الدار، فحقد عليهم الحاقدون، ومشوا في نزع هذا الشرف وتقسيمه، فتفرقت عند ذلك قريش ، واختلفت الآراء، فاستنصر بنو عبد الدار أصحاب النخوة والرجولة، فاجتمع أنصار بني عبد الدار، فأخرج بنو عبد مناف قصعة مملوءة طيبًا .ثم غمس الحضور أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعاهدوا، على نصرة بني عبد الدار والمظلومين من بعدهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين[1].
ثم اصطلحوا واتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبنى عبد مناف، وأن تستقر الحجابة واللواء والندوة في بنى عبد الدار، فانبرم الأمر على ذلك واستمر[2].
ولم يشهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا الحلف ..
الحلف الثاني
حلف الفضول، وهم جماعة من المطيبين، وقد شارك فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في سن العشرين، وكان من أمر هذه الهيئة الإصلاحية؛ أن تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول[3] .
قال ابن كثير :
وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.
وكان سببه أن رجلاً غريبًا قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الغريبُ أهل الفضل في مكة ، فخذله فريق، ونصره الآخر، ثم كان من أمرهم ما ذكرناه، وقد وتحالفوا في ذى القعدة في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وعلى التأسى في المعاش.
ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه مال الغريب، فدفعوها إليه.
التأصيل الشرعي لمثل هذه الأحلاف والجماعات التي تنصر المظلوم :
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حلف الفضول :
" شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ[4] مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ"[5].
وهذا هو الموقف الإسلامي من أي جماعة غير إسلامية تتخصص في أعمال الخير أو نصرة المظلومين أو إغاثة المنكوبين ..
موقف واضح، بيِّن، وهو تشجيعها والمشاركة في أعمالها الإصلاحية ..
فإذا عمد نفر من النصارى – مثلاً- إلى ممارسة عمل خيري بحت، غير مبطن بتنصير، أو معاداة للإسلام أو محاداة لنبيه – صلى الله عليه وسلم -، فلا بأس من المشاركة فيه .. من قبيل التعاون على البر والتقوى .
أما تلك الجماعات التي تتخذ من العمل الخيري غلافًا لإفساد الإخلاق أو الحرب على الإسلام – كتلك الجماعات الماسونية كالروتاري والليونز – فمحاربتها أوجب من السكوت عنها .
وإذا كان شأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع جماعات المشركين، ، المتخصصة في نصر المظلوم وزَبر الظالم ، هو المؤازرة والمشاركة، فما بالك بشأن المسلم من جماعات الإصلاح المسلمة، والهيئات الإسلامية المتنوعة، والمتخصصة في شتى مناحي العمل الإنساني الخيري، كالتكافل، ورعاية الضعاف، وإغاثة الملهوفين، وكفالة الأيتام، والدفاع عن حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق الأسرى والسجناء، ومنافحة الظلم والفساد ...؟
لا شك أن نصرة هذه الجماعات أوجب، ودعمها أولى، والمشاركة فيها أجدى.
ولقد حث الله ـ عز وجل ـ المسلمين على إنشاء جماعات دعوية لإرشاد الناس وتعليمهم الخير، فقال – تعالى - :
" وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [ آل عمران : 104، 1054]
قال ابن كثير:
"{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ } أي: منتصبة للقيام بأمر الله، في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "[6] .
ثم قال :
" والمقصود من هذه الآية أن تكون فرْقَة من الأمَّة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ". وفي رواية: "وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ"[7]
وقال الطبري – في تفسير هذه الآية - :
"ولتكن منكم- أيها المؤمنون - "أمة"، يقول: جماعة - "يدعون" الناس "إلى الخير"، يعني إلى الإسلام وشرائعه "[8].
ويقول سيد قطب في ظلال هذه الآية :
" لا بد من جماعة تدعو إلى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ...
" إن قيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الإلهي ذاته . فهذه الجماعة هي الوسط الذي يتنفس فيه هذا المنهج ويتحقق في صورته الواقعية . هو الوسط الخير المتكافل المتعاون على دعوة الخير ....
"وهكذا قامت الجماعة المسلمة الأولى - في المدينة - على هاتين الركيزتين . . على الإيمان بالله : ذلك الإيمان المنبثق من معرفة الله - سبحانه - وتَمَثُّلِ صفاته في الضمائر؛ وتقواه ومراقبته ، واليقظة والحساسية إلى حد غير معهود إلا في الندرة من الأحوال . وعلى الحب . الحب الفياض الرائق والود . الود العذب الجميل ، والتكافل . التكافل الجاد العميق . .
وعلى مثل ذلك الإيمان ومثل هذه الأخوة يقوم منهج الله في الأرض في كل زمان . ."[9].
الفرق بين جماعة السلطان وجماعة غير السلطان :
يلزم على الحكومة الإسلامية إنشاء هيئة أو جماعة - داخل الدولة - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الجماعة الحكومية الموكلة من ولي أمر المسلمين يجوز لها وحدها استخدام " القوة " في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وإقرار المعروف وإنكار المنكر..
إما سواها من الجماعات الإسلامية أو الهيئات الشعبية داخل المجتمع الإسلامي فلا يجوز لها استخدام " القوة " لإقامة العدل بين المسلمين ، بل النصح والدعوة باللسان .
فالسلطان له وحده صفة استخدام الضرب في ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن "لم يمتثل [ المأمور ] هدده بالضرب ، فإن لم يمتثل ضربه بالفعل ، فإن لم يمتثل أشهر له السلاح إن وجب قتله ، ولا ينتقل عن مرتبة إلا عند عدم إفادة ما قبلها ، وأما غير نحو السلطان فإنما يأمر وينهى بالقول الأرفق فالأرفق وإليه الإشارة بقوله : ( فإن لم يقدر ) المكلف على الأمر أو النهي بيده لكونه غير سلطان "[10].
ومثال لاستخدام القوة من قبل جماعة السلطان، قول الحق تبارك وتعالى :
"وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [ الحجرات9 ].
أما حُكم كل من الجماعتين، فنرى أن جماعة السلطان، واجبة ولازمة، فيجب على الحكومة إقامة جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . فقد خول الإسلامُ " القوة " إلى السلطان لإقامة العدل .
أما جماعة غير السلطان، فهي فرض كفاية، إذا قامت بها فئة من أبناء الشعب سقطت عن فرضيتها عن الآخرين . ولكن يُندب وجود عدة جماعات أهلية دعوية داخل المجتمع . للمشاركة والمنافسة في الخير، مع الحب في الله، والتعاون على البر والتقوى، دون الإغراق في الجزئيات، أو التعصب للأشخاص والأسماء، أو الطعن والتجريح المتبادل، أو سوء الظن وتصيد الأخطاء، أو التعاون مع الظالمين المتحكمين ضد أبناء الدعوة .
توصيات عملية :
1ـ لا تدع مظلومًا إلا وشاركتَ في نصرته قدر استطاعتك.
2ـ أن تشرع في تشكيل " لجنة خيرية " في الحي أو الشارع الذي تسكن فيه؛ لنصرة المظلوم، ومواساة المحروم، وتطبيب المكلوم .
3ـ الانضمام إلى جمعية إسلامية خيرية والمشاركة في أنشطتها الخيرية والدعوية.
---------------------------
[1] انظر : ابن هشام 1/130-132
[2] ابن كثير ( السيرة) 1/101
[3] انظر : ابن هشام : 1/134،135
[4] يقصد حلف الفضول فهم في الأصل من جماعة المطيبين
[5] أخرجه أحمد (1567) ، وهو في السلسلة الصحيحة
[6] ابن كثير ( التفسير) : 2/91
[7] ابن كثير ( التفسير) : 2/91، والاستشهاد بالحديث من قبل ابن كثير.
[8] تفسير الطبري 7 / 90
[9] الظلال، سورة آل عمران، تفسير الآية : 104
[10] الفواكه الدواني 8/162