البحث
التغيير في الإنسان
التغيير في الإنسان
يمثل الإنسان أهم مجال من مجالات التغيير التي حققها محمد (صلى الله عليه وسلم)، فالإنسان هو المخاطب بالدعوة، وهو موضوع الرسالة التي جاء بها محمد(صلى الله عليه وسلم) وإخوانه الأنبياء - عليهم السلام -.
التغيير في الإنسان هو الخطوة الأولى والأهم في أي مشروع للتغيير في المجتمعات، من خلاله يتحقق التغيير الديني، والتغيير السلوكي، والتغيير السياسي، والتغيير الحضاري.
وحين نعود إلى سيرة محمد (صلى الله عليه وسلم) لنتساءل: ماذا أحدث من تغيير في الإنسان؟ فإننا سنجد الإجابة من خلال استعراض توجيهاته القولية، وأساليب تعامله مع الناس.
وسنجدها أيضًا من خلال استقراء الواقع العملي، والمقارنة بين واقع الإنسان في جزيرة العرب قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) وبعدها.
وتتمثّل أبرز معالم التغيير في الإنسان فيما يلي:
كرامة الإنسان:
أكّد محمد (صلى الله عليه وسلم) على الكرامة الإنسانية، وعلى أن الإنسان مخلوق مكرمّ كرَّمه خالقه تبارك وتعالى، وفرض علينا التعامل معه في إطار هذا التكريم.
جاء في سورة الإسراء (الإسراء:70).
كما يحكي لنا القرآن في السورة نفسها كيف أن الشيطان اعترض على ربه تبارك وتعالى لأنه كرم ابن آدم: (الإسراء: 62 ).
وتكريم الإنسان لا يقف عند مجرد النص على ذلك، وبيان منزله ، بل إننا حين نرجع إلى التطبيقات العملية ندرك أثر هذا التكريم فيما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) من توجيهات وأوامر، ومن ذلك:
· أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) يؤكد على أنه لا يجوز للإنسان أن يحتقر أخاه، فيقول(صلى الله عليه وسلم): «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» ([1]).
· إن احتقار الآخرين مظهرٌ من مظاهر الإخلال بكرامة الإنسان، والاحتقار قد يكون بكلمة نابية، أو إشارة توحي بالاستهانة، أو استعلاء وتكبر.
· كما يؤكد محمد (صلى الله عليه وسلم) على إزالة الفوارق التي صنعها الناس بين بني الإنسان، تلك الفوارق التي تهدر قيمة الإنسان وكرامته لأجل لونه أو جنسه أو انتمائه القبلي.
كانت تلك الفوارق تعني شيئًا كبيرًا، كان العرب ينظرون نظرة ازدراء واحتقار إلى بعضهم لا لشيء إلا لمجرد اعتبارات وضعوها هم، لا تستند إلى معايير موضوعية.
حينها يتشكل موقع الإنسان في المجتمع لا بحسب كفاءته وقدراته، ولا بحسب دينه وخلقه، ولا بحسب عطائه وتفاعله مع المجتمع، بل بحسب أمور ليس له فيها قرار، فانتماؤه إلى قبيلة أو جنس أو لون لا يعني قدراته ولا إمكاناته، بل هو أمر لا خيار له فيه ولا قرار.
جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) فقضى على تلك المعايير الفاسدة وألغاها، وحكم بأن الناس إنما يستمدون كرامتهم وقيمتهم لكونهم بشرًا ابتداءً، ثم نتيجة أعمالهم وسلوكهم وقدراتهم وعطائهم انتهاءً.
أكّد محمد (صلى الله عليه وسلم) على هذا المعنى في موسم الحج الذي شهده جمع غفير من أتباعه، فعن أبي نضرة حدثني من سمع خطبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وسط أيام التشريق فقال:
«يا أيها الناس،ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى. أَبَلَّغْتُ؟ قالوا: بلَّغَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) » ([2]).
إن بناء الكرامة لدى الإنسان لا يقف أثره على مجرد الشعور الداخلي والنفسي، بل إن الكرامة أداة مهّمة لتفعيل طاقة الإنسان، فينطلق فاعلاً في ميادين الحياة مؤثرًا فيها، وتنبعث لديه الطاقات والقدرات.
ولا يقف تكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) للإنسان عند دائرة الحياة، بل يبقى هذا حتى بعد موته؛ فروي أن كانت امرأة سوداء تُعنى بتنظيف مسجده (صلى الله عليه وسلم) ففقدها، فسأل الناس عنها فأخبروه أنها ماتت، وكرهوا أن يزعجوه، وكأنهم صغَّروا أمرها.
فقال (صلى الله عليه وسلم): «أفلا كنتم آذنتموني».
ثم سأل عن قبرها فصلى عليها([3]).
إن هذه المواقف التي كان يعيشها أصحابه معه (صلى الله عليه وسلم) كانت تترك أثرها في نفوسهم، وتمدهم بطاقة تدفعهم للتأثير في مجالات الحياة، والشعور بأن الإنسان إنما يستمد قيمته مما يعمل وينتج، لا من نسبه أو نظرة الناس إليه.
حرمة دمه وماله وعرضه:
أكد محمد (صلى الله عليه وسلم) على قيمة الإنسان، وعلى حرمة دمه، وأنه لا يجوز إهداره ما لم يأتي بما يوجب استحقاقه لهذه العقوبة.
كما أكد على حرمة ماله، وأن مال الإنسان محترم لا يجوز أخذه بغصب أو سرقة أو اختلاس أو غش أو خديعة.
كما أكد على حرمة عرضه، فلا يجوز أن يتحدث الناس عنه في غيابه بما يكره، ولا أن يُتّهم بأي تهمة ما لم يكن هناك بينة تثبت ذلك.
ففي موسم الحج خطب محمد (صلى الله عليه وسلم) الناس، وأكد على هذه المعاني قائلاً:
«... فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، لِيُبَلِّغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه»([4]).
---------------------------------
([1]) أخرجه مسلم (2564).
([2]) أخرجه أحمد (22978).
([3]) أخرجه البخاري (458)، ومسلم (956).
([4])أخرجه البخاري (67)، ومسلم (1679).