البحث
المطلب السادس: احترام مشاعرهم الإنسانية
المطلب السادس: احترام مشاعرهم الإنسانية
إن الإسلام يرفع من قيمة البشر، ويحترم المشاعر الإنسانية احترامًا كبيرًا، سواء مع المسلمين أو مع غيرهم، وقد وجدنا تطبيقات عمليّة كثيرة لهذا الأمر في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويظهر هذا الأمر بوضوح في أوقات الشدائد وبعد الحروب خاصّة، فنجد النبي صلى الله عليه وسلم يوجِّه أصحابه الكرام توجيهات إنسانية راقية في شأن التعامل مع الأسرى من النساء والأطفال؛ فينهى عن التفريق بين الأم وطفلها؛ فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ t قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[1].
ولعلّ القصّة التالية تكون خاتمة جميلة لهذا المبحث، حيث تظهر فيها رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم في أبهى صورها، فقد أتى أبو أُسَيْدٍ الأنصاري t بسبي من البحرين فَصُفُّوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليهم؛ فإذا امرأة تبكي؛ فقال: ما يُبْكِيكَ؟ فقالت: بِيعَ ابني في بني عبس؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أسيد: لَتَرْكَبَنَّ فَلَتَجِيئَنَّ به، فركب أبو أسيد فجاء به[2]!
لقد رَقَّ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة الأسيرة فأرسل أحد جنوده إلى بلد بعيد ليأتي لها بابنها، حتى يهدأ بالها، وتجفّ دموعها!
ولعلّ السؤال الأبرز الذي يخطر على بالنا الآن: هل هناك قائد عسكريٌّ في العالم ينتصر في معركة فيشغل نفسه وجنوده لإسعاد امرأة أسيرة بسيطة لا يعرفها أحد؟!!
إن الإجابة التي يعرفها الجميع هي أن ذلك أبدًا لا يكون !!
إلا أن يكون هذا القائد هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم !! وصدق الله إذ يقول:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[3]".
--------------------------
[1] الترمذي (1566)، وقال: حديث حَسَنٌ غريب، وأحمد (23546)، وقال شعيب الأرنؤوط: حسن، والحاكم (2334) وقال: هذا حديث صحيح، والطبراني في الكبير (4080)، والبيهقي في سننه (18089) وقال الشيخ الألباني: صحيح. حديث (6412) في صحيح الجامع.
[2] الحاكم (6193)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرَّجاه، ورواه سعيد بن منصور في سننه (2654).
[3] (الأنبياء: 107).