البحث
الرفق بالاسرى واللين معهم
المطلب الخامس: الرفق بهم، واللين معهم
من أخلاق الإسلام أيضًا في التعامل مع الأسرى الرفقُ ولين الجانب، حتى يشعروا بالأمن والطمأنينة، وقد كان من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان يردُّ على استفسارات الأسرى، ولا يسأم أو يَمَلُّ من أسئلتهم، مما يُوحِي بسعة صدره، وعمق رحمته صلى الله عليه وسلم التي شملت البشر جميعًا...
ففي صحيح مسلم بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: " كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ[1] فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟[2]
فَقَالَ: إِعْظَامًا لِذَلِكَ أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ.
ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ.
قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِي، قَالَ: "هَذِهِ حَاجَتُكَ "[3].
فهذا التردد على الرجل كلما نادى عليه صلى الله عليه وسلم - وهو القائد الأول للدولة الإسلامية - ومناداته باسمه صلى الله عليه وسلم مجرّدًا يدلّ على مدى الرحمة والإنسانية التي يحملها الرسول صلى الله عليه وسلم في قلبه لكل البشر.
وأعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم بن التيّهان أسيرًا، وأمره بالإحسان إليه، فأخذه أبو الهيثم إلى منزله، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني بك خيرًا، فأنت حُرٌّ لوجه الله، ورُويَ أنه قال له: "أنت حُرٌّ لوجه الله، ولك سهم من مالي"[4].
-----------------
[1] هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[2] سابقة الحاج: أراد بها العضباء فإنها كانت لا تسبق أو لا تكاد تسبق معروفة بذلك.
[3] مسلم: كتاب النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله (1641)، وأبو داود (3316)، وابن حبان (4859)، والشافعي (1490)، والدارقطني (37)، والبيهقي في سننه (17845)، وأبو نعيم في الحلية 8/651.
[4] الإمام البيهقي: شعب الإيمان (4606).